أَصِفُهَا لَكَ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَرَأْيِي: الْفِتْنَةُ تُلَقَّحُ بِالنَّجْوَى، وَتُنْتَجُ بِالشَّكْوَى، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَكَمَا وَصَفْت فَخُذْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ الْجَمَاعَة وَأَعْطِهِمْ عَطَايَا الْفُرْقَة، وَاسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالْفَاقَةِ. فَإِنَّهَا نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى الطَّاعَةِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ.
لَمَّا أَرَادَ عَمْرٌو الْمَسِير إلَى مِصْرَ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيكَ قَالَ أَجَل فَأَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ فَاقَةَ الْأَحْرَار فَاعْمَلْ فِي سَدِّهَا، وَطُغْيَان السَّفَلَة فَاعْمَلْ فِي قَمْعِهَا، وَاسْتَوْحِشْ مِنْ الْكَرِيم الْجَائِع وَاللَّئِيم الشَّبْعَانِ، فَإِنَّمَا يَصُول الْكَرِيم إذَا جَاعَ، وَاللَّئِيمُ إذَا شَبِعَ.
قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء: الرَّعِيَّة لِلْمَلِكِ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ، فَإِذَا ذَهَبَ الرُّوحُ فَنِيَ الْجَسَد قَالَ الْإِسْكَنْدَرُ لِأَرِسْطُوطَالِيسَ أَوْصِنِي قَالَ اُنْظُرْ مَنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فَأَحْسَنَ سِيَاسَتَهُمْ فَوَلِّهِ الْجُنْدَ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فَأَحْسَنَ تَدْبِيرَهَا فَوَلِّهِ الْخَرَاج وَقَالَ بَعْض الْحُكَمَاء: لَا تُصَغِّرْ أَمْرَ مَنْ جَاءَك يُحَارِبك، فَإِنَّك إنْ ظَفِرْتَ لَمْ تُحْمَد، وَإِنْ عَجَزْتَ لَمْ تُعْذَر.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إذَا صَلُحَا صَلُحَ النَّاسُ: الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ» وَفِي خَبَر آخَر عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ عَلَامَةُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْغَيْثَ فِي أَوَانِهِ، وَعَلَامَةُ سَخَطِهِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ شِرَارَهُمْ وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْغَيْثَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ. كَتَبَ عَامِل إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ مَدِينَتَنَا قَدْ احْتَاجَتْ إلَى مَرَمَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: حَصِّنْ مَدِينَتَكَ بِالْعَدْلِ وَنَقِّ طُرُقَهَا مِنْ الْمَظَالِمِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ صِفْ لِي الْعَدْلَ يَا ابْنَ كَعْبٍ قُلْت بَخٍ بَخٍ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ كُنْ لِصَغِيرِ النَّاسِ أَبًا، وَلِكَبِيرِهِمْ ابْنًا، وَلِلْمِثْلِ مِنْهُمْ أَخًا، وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ، وَعَاقِبْ النَّاسَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ عَلَى قَدْرِ احْتِمَالِهِمْ وَلَا تَضْرِبَنَّ لِغَضَبِك سَوْطًا وَاحِدًا فَتَكُونَ مِنْ الْعَادِينَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ مَطَرِ