وَمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ سَائِغٍ وَلَا عُذْرٍ كَذَا ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَلْزَمُ كُلُّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَقِيلَ بِلَا ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمٍ آخَرَ أَفْتَاهُ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ عَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَاعِلًا لَلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا مُنْكَرٌ.
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طُلِبَتْ مِنْهُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً. أَوْ مِثْلُ مَنْ يَعْتَقِدُ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ، فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخٍ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ.
وَإِذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَحُضُورِ السَّمَاعِ أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقِهِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ، فَمِثْلُ هَذَا مِمَّنْ يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ بِحَسَبِ هَوَاهُ وَهُوَ مَذْمُومٌ مَجْرُوحٌ