فَتَدَبَّرْ هَذَا.
وَالْمُبْتَلَى مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ قَدْ يُفَرِّطُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورِ حَتَّى يُخْذَلَ وَلَا يُعَانَ فَيُؤْتَى مِنْ ذُنُوبِهِ لَا مِنْ نَفْسِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [آل عمران: 155] الْآيَةُ وَهَذَا كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ فَإِذَا اُبْتُلُوا أُعِينُوا قَالَ: وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلْفِتَنِ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْعُهُودِ وَالنُّذُورِ وَطَلَبِ الْوِلَايَةِ وَتَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ الذُّنُوبِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَعَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيلَ: لَهُ أَرَأَيْت مَنْ يَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ السَّوْطَ قِيلَ: إنَّهُ يَقْوَى قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ السَّيْفَ قِيلَ: إنَّهُ يَقْوَى قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِ الدَّاءَ الدَّفِينَ الْعُجْبَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلُوذُ بِالسُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ، وَإِنْ لَاذَ بِالْأَغْنِيَاءِ فَمُرَاءٍ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخْدَعَ فَيُقَالُ: لَعَلَّك تَرُدُّ عَنْ مَظْلِمَةٍ أَوْ تَدْفَعُ عَنْ مَظْلُومٍ، فَإِنَّ هَذِهِ خَدْعَةٌ مِنْ إبْلِيسَ اتَّخَذَهَا فَجَازَ الْقُرَّاءُ سُلَّمًا.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَنْبَأْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْهَمْدَانِيُّ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: قَدِمْتُ بَغْدَادَ عَلَى أَنْ أَدْخُلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فَآمُرُهُ وَأَنْهَاهُ فَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَاسْتَشَرْتُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْك أَنْ لَا تَقُومَ بِذَلِكَ قُلْتُ: لَهُ فَقَدْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَقَدْ قَبِلْت ذَلِكَ قَالَ: فَقَالَ: لِي اسْتَشِرْ فِي هَذَا بَشَرًا وَأَخْبِرْنِي بِمَا يَقُولُ لَك فَأَتَيْتُ بَشَرًا، فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَرَى لَك، أَخَافُ أَنْ تَخُونَك نَفْسُك قُلْتُ: فَإِنِّي أَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: لَا أَرَى لَك ذَلِكَ قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: إنِّي أَخَافُ عَلَيْك أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْك بِقَتْلٍ فَتَكُونَ سَبَبَ دُخُولِهِ إلَى النَّارِ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ لَك، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ أَنَّ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي السُّلْطَانِ إنْ أَرْسَلَ إلَيَّ يَسْأَلَنِي عَنْ الْعُمَّالِ أُخْبِرُ بِمَا فِيهِمْ قَالَ: تُدَارِي السُّلْطَانَ قُلْتُ: فَالْحَدِيثُ