عَنْ خَبَّابٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْعَبْدَ لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي التُّرَابِ أَوْ قَالَ فِي الْبِنَاءِ.» إسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إثْمَ لَهُ بِذَلِكَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا الْبِنَاءَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.» وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ وَغَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرًا جَارِيًا مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ.» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْكَنَ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَمَوْتُهُ عَنْهُ كَبَقِيَّةِ مَالِهِ الْمُخَلَّفِ عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ يُثَابُ عَلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَا تُعَدُّ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ إسْرَافًا وَاعْتِدَاءً وَمُجَاوَزَةً لِلْحَدِّ فَلَا بَأْسَ بِهَا لَا تُكْرَهُ، وَهَلْ يُثَابُ عَلَيْهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
وَالْأَحَادِيثُ مُحْتَمِلَةٌ وَلَعَلَّ ظَاهِرَهَا مُخْتَلِفٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ، وَقَدْ يُحْتَجُّ لِلْإِثَابَةِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] .
أَيْ: فِي غَيْرِ إسْرَافٍ قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ الْجِهَةَ الْمُنْفَقَ فِيهَا. وَإِخْرَاجُ مَا جَاوَزَ الْحَدَّ وَأَسْرَفَ فِيهِ لِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُ مَا دُونَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ يُخْرِجُ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: فِي الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْكَرَمِ وَالْبُخْلِ بَعْدَ فُضُولِ الْكَسْبِ بَعْدَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " أَنْفِقْ يُنْفَقْ عَلَيْكَ "؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيَسُرُّ النَّفْسَ، وَقَدْ يَحْفَظُ الصِّحَّةَ وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمَحْذُورُ الْإِسْرَافِ مُنْتَفٍ فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْإِسْرَافُ وَالِاعْتِدَاءُ فِي ذَلِكَ فَظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلَمْ يُخَالِفَاهَا كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ الْمُحَرَّمِ لَا يُقَالُ عَادَةً وَغَالِبًا لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا تُخْلَفُ نَفَقَتُهُ بَلْ يُقَالُ: يَعْصِي وَيَأْثَمُ وَيُعَاقَبُ فَيُذْكَرُ الْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِعَمَلِهِ، وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْوَبَالِ