قَتْلِ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ غَيْرُ الْكِلَابِ وَمُنِعَ قَتْلُ الْكِلَابِ وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْكِلَابِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اقْتِنَائِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيُحْمَلُ نَهْيُ الشَّارِعِ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ عَلَى الْكَرَاهَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِرَأْيِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَأَى قَتْلَهُنَّ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا النَّهْيِ أَخَصُّ فَإِنَّهُ نَهْيٌ بَعْدَ وُجُوبٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ، أَوْ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِإِبَاحَةِ التَّرْكِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَعَلَى قَوْلِنَا يُمْنَعُ قَتْلُهَا أَنَّهَا إذَا آذَتْ بِكَثْرَةِ نَجَاسَتِهَا وَأَكْلِهَا مَا غَفَلَ عَنْهُ النَّاسُ جَازَ قَتْلُهَا عَلَى مَا يَأْتِي نَصَّ أَحْمَدُ فِي النَّمْلِ يَقْتُلهُ إذَا آذَاهُ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا فَمَا جَازَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ بَلْ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ آكَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُرَ صَحَابِيٌّ قَتَلَهُ كَمَا فِي الْكِلَابِ وَهَذَا أَيْضًا دَالٌّ وَلَا بُدَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْرُمْ قَتْلُ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْكِلَابِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَقَدْ ظَهَرَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْهِرِّ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْإِبَاحَةَ فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ فِي قَتْلِ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ ثَلَاثَةً: الْإِبَاحَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ تَشْمِيسِ الْقَزِّ يَمُوتُ الدُّودُ فِيهِ قَالَ وَلِمَ يُفْعَلُ ذَلِكَ قُلْتُ يَجِفُّ الْقَزَّ وَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ كَثِيرٌ قَالَ إذَا لَمْ يَجِدُوا مِنْهُ بُدًّا وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبُوا بِالشَّمْسِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ يُدَخِّنُ الزَّنَابِيرَ؟ قَالَ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ فَلَا بَأْسَ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَحْرِيقِهِ، وَالنَّمْلُ إذَا آذَاهُ يَقْتُلُهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَوَّازُ حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ مَوْلَاةُ الْأَحْنَفِ أَنَّهَا رَأَتْ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَآهَا تَقْتُلُ قَمْلَةً فَقَالَ لَا تَقْتُلِيهَا، ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ إنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُنَّ إلَّا خَرَجْتُنَّ مِنْ دَارِي فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلْنَ فِي دَارِي قَالَ فَخَرَجْنَ فَمَا رُئِيَ مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاحِدَةٌ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ رَأَيْت أَبِي فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ