يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ لِلْأَكْلِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى أَوْ يَتَرَبَّعَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مِنْ آدَابِ، الْأَكْلِ أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا وَإِنْ تَرَبَّعَ فَلَا بَأْسَ وَسَبَقَ قَبْلَ فُصُولِ آدَابِ، الْأَكْلِ بِفَصْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي كَرَاهَةِ الشُّرْبِ قَائِمًا رِوَايَتَانِ قَطَعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِالْكَرَاهَةِ، وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِعَدَمِهَا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ وَفِي لَفْظٍ نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا» .
وَرَوَى أَيْضًا اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ قُلْت لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ قَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا نَسِيَ فَلْيَسْتَقِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أُتِيَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْت» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا» ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَى عَمْرٍو وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَيَتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرِبَ قَائِمًا لِيُبَيِّنَ الْجَوَازَ وَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَالنَّهْيِ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِتَرْكِ الْأَوْلَى قَالَ ابْنُ عُمَرَ «كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَشْرَبُ قَائِمًا فَقَالَ لَهُ: قِهْ قَالَ: وَلِمَهْ قَالَ: أَيَسُرُّك أَنْ يَشْرَبَ مَعَك الْهِرُّ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ شَرِبَ مَعَك مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ يَعْنِي الشَّيْطَانَ» أَبُو زِيَادٍ قِيلَ لَا يُعْرَفُ وَقِيلَ شُيُوخُ شُعْبَةَ جِيَادٌ.
فَأَمَّا الْأَكْلُ قَائِمًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ لِقَوْلِ أَنَسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِتَخْصِيصِ الشَّارِعِ النَّهْيَ بِالشُّرْبِ لِسُرْعَةِ نُفُوذِهِ إلَى أَسَافِلِ الْبَدَنِ بِلَا تَدْرِيجٍ وَإِلَى الْمَعِدَةِ فَيُبَرِّدُهَا وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ فِيهَا حَتَّى يَقْسِمَهُ