فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ التَّعْوِيجِ الَّذِي وَجَدَ إلَى سَنَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ فَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ إلَى تَوْبَةٍ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ، فَتَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ، وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ، وَتَوْبَةُ خَاصِّ الْخَاصِّ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ تَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ، وَكَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ النُّورِيُّ التَّوْبَةُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا.
وَسَبَقَ قَرِيبًا فِي الْعَزْمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الزُّهْدِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ صِحَّةُ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ أَوْ أَدْنَى غَفْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى وَهُوَ مَعْنَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ مُجَاهِدٍ مَنْ لَمْ يَتُبْ إذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً وَلَا ذَنْبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيمَا يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ وَأَنَّهُ يَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا» وَذَكَرَ غَيْرُهُ قَوْلَ عَمَّارِ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ طَعَامُ الشَّيْخِ مُبَاحٌ لِلْمُرِيدِ وَطَعَامُ الْمُرِيدِ حَرَامٌ فِي حَقِّ الشَّيْخِ لِصَفَاءِ حَالِهِ وَعُلُوِّ رُتْبَتِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يُطْلِقُوا الْحَرَامَ إلَّا عَلَى مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ قَطْعًا. قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ هَلْ يُطْلَقُ الْحَرَامُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ رِوَايَتَيْنِ وَسَبَقَ فِي أَوَائِلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ الْأَخْبَارُ فِي التَّوْبَةِ عُمُومًا وَمَنْ تَرَكَ التَّوْبَةَ الْوَاجِبَةَ مُدَّةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالْعِلْمِ بِوُجُوبِهَا لَزِمَتْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّوْبَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ.