أما العفو عن أخيك، فلأنك تعلم قبل أن تتخذه أخا أنه ليس معصومًا عن الأخطاء، وإلا لكان نبيًّا من أنبياء الله، فلابد له إذا من هنات، ولا بد له من سقطات، وإنما انكشف لك هذه السقطات لقربك منه وطول معاشرتك له، ولعلك لو كنت بعيدًا لما رأيت ما رأيت، فلابد لك من رؤية ما تكره في بعض الأحيان والصمت على ما ترى.

وقد أمر الله عز وجل بالعفو عن الناس في كثير من آيات الكتاب الكريم: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].

واستمع إليه سبحانه وهو يطالب أبا بكر رضى الله عنه بإجراء النفقة ثانية على قريبه الذى سعى بحديث الإفك:

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].

وقد وصف الله عز وجل المؤمنين بقوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

وهل تكون رحيمًا إن لم تعفُ عن زلة أخيك؟ ووصفهم أيضا بقوله {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 54] كيف تكون ذليلًا على المؤمنين إن لم تعف عن زلاتهم ويصبر على هفواتهم؟ وأما الوفاء فهو الثبات على الحب وإدامته إلى الموت وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يراد للآخرة، فإن انقطع قبل الموت حبط العمل وضاع السعي، وحادثة إكرام الرسول للعجوز التى كانت تأتيهم في أيام خديجة رضى الله عنها خير دليل على ذلك. وكلما انقطع الوفاء بعدم دوام المحبة شمت الشيطان، فإنه لا يجد متعاونين على بر متواضعين متحابين في الله إلا ويجهد نفسه لإفساد ما بينهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015