وإن كان المراد هو السلام عليه عند قبره كما فهمه عامة العلماء، فهل يدخل فيه من سلّم من خارج الحجرة؟
فهذا مما تنازع فيه الناس، وقد توزّعوا في دلالته، فمن الناس من يقول: هذا إنما يتناول من سلّم عليه عند قبره، كما كانوا يدخلون الحجرة على زمن عائشة فيسلّمون على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فكان يرد عليهم، فأولئك سلموا عليه عند قبره وكان يردّ عليهم. وهذا قد جاء عموما في حق المؤمنين؛ «ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام» (?).
قالوا: فأما من كان في المسجد فهؤلاء لم يسلّموا عليه عند قبره، بل سلامهم عليه كالسلام عليه في الصلاة، وكالسلام عليه إذا دخل المسلّم المسجد وخرج منه، وهذا هو السلام الذي أمر الله به في حقه، بقوله: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وهذا السلام قد ورد: أنه «من سلّم عليه مرة سلّم الله عليه عشرا» كما أنه من صلّى عليه مرة صلّى الله عليه بها عشرا. فأما أثر: «من صلّى عليه مرة صلّى الله عليه عشرا» فهذا ثابت من وجوه؛ بعضها في الصحيح، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ، فإنه من صلّى عليّ مرّة صلّى الله بها عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت عليه شفاعتي» (?). وهذا مرويّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم من غير هذا الوجه، كما في حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» (?).
وأما السلام؛ فقد جاء أيضا في أحاديث، من أشهرها حديث عبد الله بن المبارك، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن سليمان مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقال: «إنه جاءني جبرائيل فقال: أما يرضيك يا محمد، أنه لا يصلّي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا؟ أو لا يسلّم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا» (?).