عبادته وحده، وإخلاص الدين له، ويوالي من كان كذلك، ويعادي من أشرك، ولو كان المشرك معظّما له غاليا فيه فإن هذا يضره ولا ينفعه، لا عند الله ولا عند الذي غلا فيه وأشرك به واتخذه ندا لله يحبه كحب الله، واتخذه شفيعا يظن أنه إذا استشفع به يشفع له بغير إذن، أو اتخذه قربانا يظن أنه إذا عبده قرّبه إلى الله، فهذه كلها ظنون المشركين. قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [يونس: 18]. وقال تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3]. وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] وقال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى إلى قوله: يَفْتَرُونَ [الأحقاف: 27، 28]. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال:
قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين أنزل الله عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] فقال:
«يا معشر قريش؛ اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف؛ لا أغني عنكم من الله شيئا، يا صفية عمّة رسول الله؛ لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد؛ لا أغني عنك من الله شيئا، سليني من مالي ما شئت» (?).
وفي الصحيحين أنه قال: «لا ألفينّ أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، أو رقاع تخفق، يقول: يا رسول الله؛ أغثني أغثني، فأقول:
لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك» (?). وهذا باب واسع.
الوجه السادس: أن هذا المعترض سوّى بين السفر إلى زيارة قبره صلى الله عليه وسلّم وسائر القبور، وذكر أن المجيب حرّم السّفر لزيارة قبره وسائر القبور، وهذا يقتضي أن المجيب حرّم السفر إلى مسجده، وهذا كذب على المجيب، فإن الذين قالوا من علماء المسلمين إنه يستحبّ زيارة قبره، أو حكوا على ذلك الإجماع؛ لو قدّر أنهم صرّحوا باستحباب السفر إليه فمرادهم السفر إلى مسجده. فإن هذا هو المقدور وهو المشروع، فإن كل مسافر وزائر يذهب إلى هناك إنما يصل إلى مسجده، ويشرع له الصلاة في مسجده بالاتفاق، وكل من ذكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم ذكروا أنه يبدأ بالصلاة في مسجده، ثم بعد ذلك يسلّم عليه، وهذا هو المنصوص عن الأئمة؛ كمالك وأحمد وغيرهما.
ففي «العتبية» عن مالك قال: يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم.
قال: وأحبّ مواضع التنفل فيه مصلّى النبي صلى الله عليه وسلّم حيث العمود المخلق. قال: وأما الفريضة فالتقدم إلى الصفوف. والتنفل فيه للغرباء أحبّ إلي من التنفّل في البيوت.