الأول من جنس الصلاة على الجنازة لا من جنس الثاني، كرغبة الخلق يوم القيامة إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يشفع لهم، وكرغبة أصحابه إليه في حياته أن يدعو لهم ويستسقي لهم، فهذا الطلب منه كان لعلوّ جاهه وعظم منزلته عند الله، ولهذا يأتون يوم القيامة إلى أولي العزم فيردّهم هذا إلى هذا، حتى يردّهم المسيح إليه. وفي حياته كانوا يطلبون منه الدعاء ويتوجّهون به إلى الله، ويتوسّلون إليه بدعائه وشفاعته لجاهه عند الله، ولما مات استسقوا بالعباس عمه وقال عمر: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنا نتوسّل إليك بعمّ نبينا فاسقنا؛ فيسقون» رواه البخاري في صحيحه (?).
ومعنى قوله: كنا نتوسل إليك بنبينا؛ أي: بدعائه وشفاعته، ولهذا توسّلوا بعد موته بدعاء العباس وشفاعته لمّا تعذّر عليهم التوسل به بعد موته، كما كانوا يتوسّلون به في حياته، ولم يرد عمر بقوله: «كنا نتوسّل إليك بنبينا»: أن نسألك بحرمته، أو نقسم عليك به من غير أن يكون هو داعيا شافعا لنا، كما يفعله بعض الناس بعد موته، فإن هذا لم يكونوا يفعلونه في حياته، إنما كانوا يتوسّلون بدعائه، ولو كانوا يفعلونه في حياته لكان ذلك ممكنا بعد موته كما كان في حياته، ولم يكونوا يحتاجون أن يتوسلوا بالعباس. وكثير من الناس يغلط في معنى قول عمر وإذا تدبّره عرف الفرق (?).
ولو كان التوسل به بعد موته ممكنا كالتوسل به في حياته لما عدلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى العباس. وكذلك معاوية لما استسقى توسّل بدعاء يزيد بن الأسود الجرشي (?). وكذلك نقل عن الضحاك بن قيس (?). فمن فهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلّم بزيارة القبور وفرّق بين الشرعية والبدعية، تبين له الحق من الباطل.
ونبينا صلى الله عليه وسلّم أمر الله بالصلاة والسلام عليه، وأمر عند سماع الأذان أن تطلب الوسيلة له، فهذا حقّ له على الأمة، وهو مشروع مأمور به في كل مكان، لا يختص به في مكان عند قبره، فلم يبق في زيارة قبره أمر يختصّ به ذلك المكان بخلاف غيره.
وأيضا فنهى عن اتخاذ بيته عيدا وقال: «لا تتّخذوا قبري عيدا وصلّوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني». وكذلك السلام، قال: «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغوني عن