أجر، وخطأه مغفور له، لا يطلق القول على أحدهم أنه أحلّ ما حرّم الله وحرّم الله وحرّم ما أحل الله بمعنى الاستحلال والتعمد. وإذا أريد أن ذلك وقع على وجه التأويل فعامة العلماء وقعوا في مثل هذا، والله يأجرهم ولا يؤاخذهم على خطئهم.

الوجه الخامس: أن يقال: قول القائل فيما يتكلّم فيه العلماء بالأدلة الشرعية، مثل ما إذا قيل: إنه لا يجوز الحلف بالأنبياء ولا النذر لهم، ولا السجود لقبورهم، ولا الحج إليها، ولا اتخاذ قبورهم مساجد ونحو ذلك، أو قيل: إنه لا تجب الصلاة على النبي في الصلاة، كما قاله مالك وأكثر العلماء. أو قيل: إنه يكره الصلاة عليه عند الذبح أو لا يستحب، كما هو قول مالك وأحمد. وقيل: يستحب؛ وهو قول الشافعي. فإذا قال قائل في مثل هذه المسائل: إن هذا تنقيص للأنبياء؛ فإن أراد بذلك أنّ قائل هذا القول قصد التنقيص لهم، والعيب لهم، والطعن عليهم، والشتم؛ فقد كذب وافترى كذبا ظاهرا. وإن قال: إنه نقّصهم عما يستحقونه عند الله فهذا محل النزاع، فصاحب القول الآخر يقول بل أخطأ فيما يستحقونه ولم يقل ما ينقص درجتهم التي يستحقونها، وإن قدّر أنه أخطأ في اجتهاده فلا إثم عليه في ذلك، فكيف إذا كان هو المصيب للصواب المتّبع للكتاب والسنة، ولما كان عليه التابعون مع الأصحاب.

الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه في مثل هذه المسألة التي قد افترى فيها وصنّف فيها، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟

الوجه السابع: أن لفظ «كم» يقتضي التكثير وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع، والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا ومن الاستدلال فقها وحديثا ما لم يطّلع عليه.

الوجه الثامن: إن المجيب ولله الحمد لم يقل قط في مسألة إلا بقول قد سبقه إليه العلماء، فإن كان قد يخطر له ويتوجّه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قال بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام» فمن كان يسلك هذا المسلك كيف يقول قولا يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟ فهل يتصوّر أن يكون الإجماع واقعا في موارد النزاع؟ ولكن من لم يعرف أقوال العلماء قد يظن الإجماع من عدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015