ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (?). هل هو تحريم لذلك أو نفي لفضيلته على قولين، وعامة المتقدمين على الأول مع اتفاقهم على أن هذا يتناول السفر إلى القبور.
فإن الصحابة والتابعين والأئمة لم يعرف عنهم نزاع في أن السفر إلى القبور وآثار الأنبياء داخل في النهي، كالسفر إلى الطور الذي كلّم الله عليه موسى وغيره، وإن كان الله سمّاه الوادي المقدّس وسمّاه البقعة المباركة ونحو ذلك، فلم يعرف عن الصحابة نزاع أن هذا وأمثاله داخل في نهي النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة، كما لم يعرف عنهم نزاع أن ذلك منهيّ عنه، وأن قوله: «لا تشدّ الرحال» نهي بصيغة الخبر، كما قد جاء في الصحيح بصيغة النهي، من حديث أبي سعيد الخدريّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تشدّوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» (?). فالصحابة ومن تبعهم لم يعرف عنهم نزاع أن هذا نهي منه، فإن لفظه صلى الله عليه وسلّم صريح في النهي، ولم يعرف عنهم نزاع أن النهي متناول للسفر إلى البقاع المعظمة غير المساجد، سواء كان النهي عنها بطريق فحوى الخطاب، وأنه إذا نهى عن السفر إلى مسجد غير الثلاثة؛ فالنهي عن السفر إلى ما ليس بمسجد أولى، أو كان بطريق شمول اللفظ، فالصحابة الذين رووا هذا الحديث بينوا عمومه لغير المساجد، كما في الموطأ والمسند والسنن عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة:
من أين أقبلت؟ قال: من الطّور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج لما خرجت.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا تعمل المطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيليا»، أو قال: «بيت المقدس» (?). وقال أبو زيد عمر بن شبّة النميري (?)، في كتاب «أخبار المدينة النبوية» (?): حدّثنا هشام بن عبد الملك، حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، حدّثنا شهر بن حوشب، سمعت أبا سعيد