الصحابة، فإنهم لم يكونوا يسلّمون عند وجهه. وما ذكره القاضي عياض عن أنس بن مالك لا يدل على هذا القول، بل يدل على قول أبي حنيفة؛ فإنه ذكر عن بعضهم قال: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلّم ثم انصرف.

فقول الراوي: إنه رفع يديه حق ظننت أنه افتتح الصلاة؛ دليل على أنه كان مستقبل القبلة، فإن المصلي لا بد أن يستقبلها، ولو كان يستقبل الحائط من ناحية القبلة أو من الغرب لم يظن أنه يصلي، فإن أحدا لا يصلي إلى الشمال، ولا إلى الشرق، لكن روى القاضي إسماعيل بن إسحاق في المصنف الذي له في «فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم» قال: حدّثني إسحاق بن محمد الفروي حدّثنا عبيد الله بن عمر حدّثنا نافع: أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر صلّى السجدتين في المسجد، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيضع يده اليمنى على قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، ويستدبر القبلة، ثم يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلّم، ثم يسلم على أبي بكر وعمر (?). فهذه الرواية فيها نظر، فإن فيها خلاف ما قد جاء عن مالك وأحمد من فعل ابن عمر أنه كان يدنو إلى القبر ولا يمسه.

وحديث ابن عمر هذا رواه مالك عن نافع وعن عبد الله بن دينار، ورواه عن نافع أيوب السختياني وغيره، وعن أيوب حماد بن زيد ومعمر.

وقد ذكر ذلك مالك وغيره أنه لا يمس القبر، وكذلك كان سائر علماء المدينة.

وكذلك قال أحمد أن ابن عمر فعل ذلك. قال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل:

قبر النبي صلى الله عليه وسلّم يمسّ ويتمسّح به؟ فقال: ما أعرف هذا. قلت له: فالمنبر؟ قال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه- قال أبو عبد الله- شيء يروونه عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن عمر أنه كان يمسح على المنبر، وقال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة. قلت: ويروونه عن يحيى بن سعيد أنه حيث أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا فرأيته استحسنه، ثم قال: لعله عند الضرورة والشيء. قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر. وقلت له: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يرونه، ويقومون ناحية فيسلمون عليه. فقال أبو عبد الله:

نعم؛ وهكذا كان ابن عمر يفعل، ثم قال أبو عبد الله: بأبي وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015