مسجدا وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (?). ذمهم على هذا وهذا، ولهذا نهى أمته عن هذا وهذا. وفي صحيح مسلم عن أبي الهيّاج الأسدي (?) قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أمرني أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» (?).
فأمره طمس التماثيل، وتسوية القبور العالية المشرفة. إذ كان الضالون أهل الكتاب أشركوا بهذا وبهذا؛ بتماثيل الأنبياء والصالحين وبقبورهم. وفي المسند وصحيح ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» (?).
وفي صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا تضلّوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» (?). وبسط هذا له موضع آخر. ولكن نبهنا هنا على مثل هذا لأن هذا المعترض لم يأت في كلامه بعلم ولا حجة ولا دليل، بل حجّته من جنس ما ذكره هنا، أن الزيارة لا بدّ فيها من الحركة والانتقال، وهذا معلوم لكل أحد، فقوله والزيارة نفسها قربة، والوسيلة إلى القربة قربة؛ هذا مضمون كلامه.
ونسب المجيب إلى التناقض حيث أباح الزيارة، ومنع من الوسيلة إليها وهو السفر، ولهذا قال: «فلو علم هذا القائل ما في كلامه من الخطأ والزلل، وما اشتمل عليه كلامه من المناقضة والخلل، لما أبدي لهم عواره، ولستر عنهم شناره».
وجواب هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: أنت المتناقض فيما حكيته عنه، فإنك في أول كلامك قلت أنه ظهر لك من صريح كلامه وفحواه؛ مقصده السيئ ومغزاه، وهو تحريم زيارة قبور الأنبياء وسائر القبور والسفر إليها، ودعوى أن ذلك معصية محرّمة مجمع عليها. وقد علم كل من وقف على الجواب أنه لم يحرم الزيارة مطلقا، ولا حكى ذلك عن أحد فضلا عن أن يحكيه إجماعا، لكن هذا قول طائفة من السلف حرّموا زيارة القبور مطلقا، كما نقل عن الشعبي والنخعي وابن سيرين، لكن المجيب لم يذكر هذا القول، فإنه قول مرجوح، ولو قدّر أنه حكاه لم يحك الإجماع على التحريم. فإن بطلان هذا لا يخفى على آحاد طلبة العلم، إذ كانت كتب العلماء مشحونة بذكر جواز زيارة القبور للرجال أو استحباب ذلك. ثم هناك جعلت المجيب يجوّز الزيارة وينهى عن الوسيلة