وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45]. وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. وقال تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران: 79] إلى قوله: مُسْلِمُونَ [آل عمران: 80].
والحج إلى قبورهم ودعاؤهم من دون الله من الشرك بهم واتخاذهم أربابا، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [الأنعام: 161] إلى قوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 163].
فمن أمر الناس أن يحجّوا إلى قبر مخلوق أو يدعوه؛ فقد أمرهم أن يجعلوا صلاتهم ونسكهم لغير الله، وهذا من الأئمة الذين يدعون إلى النار، لا من أئمة الهدى والتقى. فالقولان اللذان ذكرهما هما القولان المعروفان عن علماء المسلمين وأئمة الدين، وما عرف لهم قول ثالث. فمن قال قولا ثالثا فحسبه أن يحكي قوله ويبيّن خطؤه، لا يجعل قوله مقدّما على أقوال السلف الماضين وأئمة الدين وعلماء المسلمين. ولم يخالفهم أحد بحجة في الدين، ولا نقل قوله عن أحد من أئمة المسلمين، ولكن حججهم من جنس هذا وأمثاله. وقد صنف من هو أفضل منه، مصنفا أكبر من مصنفه، وحججهم كلها يشبه بعضها بعضا، ليست من حجج علماء المسلمين ولا ينقلونها، ولا موجبها عن أحد من أئمة الدين، بل هي من جنس حجج النصارى والمشركين، إما نقل عن الأنبياء هو كذب عليهم، كالأحاديث التي يحتجون بها في أنه رغّب في زيارة قبره، وكلها كذب، كما يحتج النصارى وأهل البدع بما يفعلونه من الكذب على الأنبياء. وإما ألفاظ متشابهة يحرفون فيها الكلم عن مواضعه، ويضعونها على غير مواضعها، ويدعون المحكم المنصوص كما تفعل النصارى وأهل البدع؛ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ويدعون المحكم المبين الذي هو أم الكتاب. وإما احتجاجهم بقول من ليس قوله حجة ولا يجب اتباعه. وإما أحوال شيطانية؛ وهذه حجج النصارى وأمثالهم، وأهل الضلال المخالفين للأنبياء وأئمة الهدى، كما قال تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77] فلا نقل مصدّق ولا بحث محقّق، بل هذيان مزوّق، يروج على هذا وأمثاله من الجهّال الذين لا يعرفون دين المسلمين في هذه المسألة وأمثالها، ولا يفرّقون بين عبادة الرحمن وعبادة الشيطان، ولا بين الأنبياء والمرسلين أهل التوحيد والإيمان، وبين أهل البدع المضاهين لعبّاد الصلبان.
وأما قوله: «فمقتضى ذلك أن يسوّى بينه وبين السفر لقتل النفوس إلخ».