بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا كان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه، ومعلوم أن هذا من أبطل الباطل.

وأيضا فالسفر إليه في حياته؛ إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح، فيكون المسافر إليه مسافرا للمقام عنده بالمدينة مهاجرا من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة قال صلى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية» (?).

ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجرا أمره أن يرجع إلى مكة، وكذلك سائر الطّلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا. وإما أن يكون المسافر إليه وافدا إليه ليسلّم عليه ويتعلّم منه ما يبلّغه قومه؛ كالوفود الذين كانوا يفدون إليه- لا سيما سنة عشر- سنة الوفود. وقد أوصى في مرضه قبل أن يموت بثلاث فقال: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو مما كنت أجيزهم» (?). ومن الوفود وفد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين، لكن هؤلاء أسلموا قديما قبل فتح مكة، وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم، فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد. وكان السفر إليه في حياته لتعلّم الإسلام والدين ولمشاهدته وسماع كلامه، وكان خيرا محضا، لم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عبده في حياته بحضرته، فإنه كان ينهى من يفعل ما هو دون ذلك من المعاصي فكيف بالشرك؟ كما نهى الذين سجدوا له، والذين صلّوا خلفه قياما، وقال: «إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، فلا تفعلوا» رواه مسلم (?).

وفي المسند بإسناد صحيح عن أنس قال: «لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك» (?).

وفي الصحيح أن جارية قالت عنده:

وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: «دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015