يسمع أصوات الخلائق من بعيد، فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم. قال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80] وقال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ [المجادلة: 7] الآية. وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم، ومن قال هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى الذين يقولون إن المسيح هو الله، وإنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة: 72] إلى قوله: وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [المائدة: 76]. فلا المسيح ولا غيره من البشر ولا أحد من الخلق يملك لأحد من الخلق لا ضرا ولا نفعا، بل ولا لنفسه؛ وإن كان أفضل الخلائق، قال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً [الجن: 21] وقال: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام: 50] الآية. وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف: 188] الآية. وقوله: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيه قولان، قيل: هو استثناء متصل وأنه يملك من ذلك ما ملّكه الله، وقيل هو منقطع، والمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا بحال. فقوله: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء منقطع، أي لكن يكون من ذلك ما شاء الله، كقول الخليل عليه السلام: وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ [الأنعام: 80] ثم قال: إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً [الأنعام: 80] أي: لا أخاف أن تفعلوا شيئا، لكن إن شاء ربي شيئا كان وإلا لم يكن، وإلا فهم لا يفعلون شيئا. وكذلك قوله: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ ثم قال: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ [الزخرف: 86] فيه قولان؛ أصحهما أنه استثناء منقطع؛ أي: لكن من شهد بالحق تنفعه الشفاعة وتنفع شفاعته، كقوله: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: 23] وقال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً [الزمر: 44]. وبسط هذا له موضع آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015