الحربي بالسلام (?)، بل لما كتب النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى قيصر قال فيه: «من محمد رسول الله إلى قيصر عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى» كما قال موسى لفرعون. والحديث في الصحيحين من رواية ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب في قصته المشهورة لما قرأ قيصر كتاب النبي صلى الله عليه وسلّم وسأله عن أحواله (?).
وقد نهى صلى الله عليه وسلّم عن ابتداء اليهود بالسلام، فمن العلماء من حمل ذلك على العموم، ومنهم من رخّص إذا كانت للمسلم إليه حاجة أن يبتدئه بالسلام، بخلاف اللقاء، والكفار كاليهودي والنصراني يسلّمون عليه وعلى أمته سلام التحية الموجب للرد، وأما السلام المطلق فهو كالصلاة عليه إنما يصلي عليه ويسلم عليه أمته، فاليهود والنصارى لا يصلون ويسلمون عليه، وكانوا إذا رأوه يسلّمون عليه، فذاك الذي يختص به المؤمنون ابتداء وجوابا أفضل من هذا الذي يفعله الكفار معه ومع أمته ابتداء وجوابا، ولا يجوز أن يقال: إن الكفار إذا سلموا عليه سلام التحية فإن الله يسلم عليهم عشرا، فإنه يجيبهم على ذلك فيوفّيهم، كما لو كان له دين فقضاه.
وأما ما يختص بالمؤمنين فإذا صلّوا عليه صلّى الله على من صلّى عليه عشرا وإذا سلّم عليه سلّم الله عليه عشرا، وهذه الصلاة والسلام هو المشروع في كل مكان بالكتاب والسنة والإجماع، بل هو مأمور به من الله سبحانه وتعالى، لا فرق في هذا بين الغرباء وأهل المدينة عند القبر، وأما السلام عند القبر فقد عرف أن الصحابة والتابعين المقيمين بالمدينة لم يكونوا يفعلونه إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولو كان هذا كالسلام عليه لو كان حيا لكانوا يفعلونه كلّما دخلوا المسجد وخرجوا منه، كما لو دخلوا المسجد في حياته وهو فيه، فإنه مشروع لهم كلما رأوه أن يسلّموا عليه، بل السنة لمن جاء إلى قوم أن يسلّم عليهم إذا قدم وإذا قام كما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بذلك وقال: «ليست الأولى بأحق من الآخرة» (?).
فهو حين كان حيا كان أحدهم إذا أتى يسلم وإذا قام يسلم، ومثل هذا لا يشرع عند القبر باتفاق المسلمين، وهو معلوم بالاضطرار من عادة الصحابة. ولو كان سلام التحية خارج الحجرة مستحبا؛ لكان مستحبا لكل أحد، ولهذا كان أكثر السلف لا يفرّقون بين الغرباء وأهل المدينة، ولا بين حال السفر وغيره، فإن استحباب هذا