القصد مع الجهل، إما مع الجهل فإن السفر إلى مسجده مستحب لكونه مسجده لا لأجل القبر، وإما مع الجهل بأن المسافر إنما يصل إلى مسجده. فأما مع العلم بالأمرين فلا بد أن يقصد السفر إلى مسجده، ولهذا كان لزيارة قبره حكم ليس لسائر القبور من وجوه متعددة كما قد بسط في مواضع.
وأهل الجهل والضلال يجعلون السفر إلى زيارته كما هو معتاد لهم من السفر إلى زيارة قبر من يعظمونه: يسافرون إليه ليدعوه ويدعوه عنده ويدخلون إلى قبره ويقعدون عنده ويكون عليه أو عنده مسجد بني لأجل القبر فيصلون في ذلك المسجد تعظيمًا لصاحب القبر. وهذا مما لعن النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب على فعله، ونهى أمته عن فعله فقال في مرض موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا) وهو في الصحيحين من غير وجه.
وقال قبل أن يموت بخمس (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم.
فمن لم يفرق بين ما هو مشروع في زيارة القبور وما هو منهي عنه لم يعرف دين الإسلام في هذا الباب.