وقوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال): أنه محمول على نفي الاستحباب، عنه جوابان:
أحدهما: أن هذا تسليم منه أن هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قربة ولا هو من الحسنات.
فإذن من اعتقد السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع. وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرمًا بإجماع المسلمين، فصار التحريم من هذه الجهة.
ومعلوم أن أحدًا لا يسافر إليها إلا لذلك. وأما إذا قدر أن الرجل سافر إليها لغرض مباح فهذا جائز وليس من هذا الباب.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث يقتضي النهي والنهي يقتضي التحريم.
وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة، لم يخرج أحد من أهل السنن المعتمدة شيئًا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها. بل مالك إمام / أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كان هذا اللفظ معروفًا عندهم أو مشروعًا أو مأثورًا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه عالم المدينة. والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك من الأحاديث إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: