الجهال المضاهون للنصارى غلوا في التخلص من النقص حتى وقعوا في الشرك والغلو وتكذيب الرسول -الذي هو أعظم إثمًا- كما أصاب النصارى، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، وكان ما فروا إليه من الشرك والغلو وتكذيب الرسل وتنقصهم أعظم إثمًا وعقابًا مما فروا منه مما ظنوه تنقصًا، ولو فروا مما هو نقص لبعض أقدارهم فوقعوا في الشرك كان ما فروا إليه شرًّا مما فروا منه.
والدين الحق دين الإسلام: عبادة الله وحده لا شريك له، وتصديق رسله، كما يدل عليه قولنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
والله سبحانه يجمع بين هذين الأصلين في غير موضع كقوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشًا [والسماء بناء وأنزل من السماء ماء]) الآية، فبدأ بالتوحيد، ثم قال: {وإن كنتم في ريب / مما نزلنا على عبدنا} الآية [سورة البقرة (21 - 23)]، وفي أول (¬*) آل عمران [(2 - 4)] قال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ثم قال: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان} فذكر التوحيد أولاً ثم ذكر النبوات المتضمنة إنزال الكتاب. وفي سورة القصص [(62 - 65)] قال: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون * قال الذين حق عليهم القول -إلى قوله- ماذا أجبتم المرسلين} فذكر مناداتهم لتحقيق التوحيد أولاً، ثم مناداتهم ماذا أجابوا المرسلين، وذكر تبري المعبودين من العابدين ثم قال: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون -إلى قوله- وما كانوا يفترون} [سورة القصص: (74 - 75)]، فذكر هناك اعتراف المشركين بالتوحيد،