عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة؟ فقال: (لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده).

فقد بين مالك أنه لم يبلغه عن السلف من الصحابة المقيمين بالمدينة أنهم كانوا يقفون / بالقبر عند دخول المسجد إلا لمن قدم من سفر، مع أن الذي يقصد السفر فيه نزاع مذكور في غير هذا الموضع.

قلت: فهذا يبين أن وقوف أهل المدينة بالقبر -وهو الذي يسمى زيارة لقبره- من البدع التي لم يفعلها الصحابة، وأن ذلك منهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيدًا) وإذا كانت هذه الزيارة مما نهى عنها في الأحاديث، فالصحابة أعلم بنهيه وأطوع له، فلهذا لم يكن بالمدينة منهم من يزور قبره باتفاق العلماء، وهذا الوقوف الذي يسميه غير مالك زيارة لقبره الذي بين مالك وغيره أنه بدعة لم يفعلها الصحابة هي زيارة مقصود صاحبها الصلاة والسلام، كما بين ذلك في السؤال لمالك. لكن لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)، وروي مثل ذلك في السلام عليه علم أنه كره تخصيص تلك البقعة بالصلاة والسلام، بل يصلى عليه ويسلم في جميع المواضع، وذلك واصل إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015