قال علي بن سعيد: سألت أحمد قلت: زيارة القبور تركها أفضل عندك أم زيارتها؟ قال زيارتها. ولهذا إنما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه لما سافر لفتح مكة فزارها في الطريق، لم يسافر لذلك، ولا كان أحد على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ولا عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم يسافر لزيارة قبر، لا قبر نبي ولا صالح ولا غيرهما، لا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم ولا إبراهيم ولا غيره، بل هذا إنما حدث بعد ذلك، ولا كان في الإسلام مشهد على قبر أو أثر نبي أو رجل صالح يسافر إليه، بل ولا يزار للصلاة والدعاء عنده، بل هذا كله محدث. بل ولا كانوا يزورون القبور للتبرك بالميت ودعائه والدعاء به، وإنما كانوا يزورونه إن كان مؤمنًا للدعاء له والاستغفار كما يصلون على جنازته، وإن كان غير مسلم زاره رقة عليه كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمة فبكى وأبكى من حوله، وقال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة (استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي).

ومن هنا يظهر الجواب الثالث وهو: أن الزيارة التي أذن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أو ندب إليها أو فعلها مقصودها نفع الميت والإحسان إليه بالدعاء له والاستغفار، ومقصودها تذكر الموت أو الرقة على الميت، لم يكن مقصودها أن تعود بركة الميت المزور على الحي الزائر، ولا أن يدعوه ويسأله ويستشفع به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما زار قبور أهل البقيع وقبور الشهداء لم يكن هذا مقصوده. ومن قال هذا فقد أعظم الفرية على الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعله مستشفعًا بأصحابه الموتى داعيًا مستغيثًا مستجيرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015