وسكوتهم سَوَاء وَلَيْسَ كَذَلِك ذمهم إِيَّاه لِأَنَّهُ غَانِم لِلْأجرِ على كل حَال بلغه ذمهم أَو لم يبلغهُ وَلَوْلَا قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّنَاء الْحسن (ذَلِك عَاجل بشرى الْمُؤمن) لوَجَبَ أَن يرغب الْعَاقِل فِي الذَّم بِالْبَاطِلِ أَكثر من رغبته فِي الْمَدْح بِالْحَقِّ وَلَكِن إِذْ جَاءَ هَذَا القَوْل فَإِنَّمَا تكون الْبُشْرَى بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ فَإِنَّمَا تجب الْبُشْرَى بِمَا فِي الممدوح لَا بِنَفس الْمَدْح لَيْسَ بَين الْفَضَائِل والرذائل وَلَا بَين الطَّاعَات والمعاصي إِلَّا نفار النَّفس وأنسها فَقَط فالسعيد من أنست نَفسه بالفضائل والطاعات ونفرت من الرذائل والمعاصي والشقي من أنست نَفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الْفَضَائِل والطاعات وَلَيْسَ هَا هُنَا إِلَّا صنع الله تَعَالَى وَحفظه طَالب الْآخِرَة ليفوز فِي الْآخِرَة متشبه بِالْمَلَائِكَةِ وطالب الشَّرّ متشبه بالشياطين وطالب الصَّوْت وَالْغَلَبَة متشبه بالسباع وطالب اللَّذَّات متشبه بالبهائم وطالب المَال لعين المَال لَا لينفقه فِي الْوَاجِبَات والنوافل المحمودة أسقط وأرذل من أَن يكون لَهُ فِي شَيْء من الْحَيَوَان شبه وَلكنه يشبه الغدران الَّتِي فِي الكهوف فِي الْمَوَاضِع الوعرة لَا ينْتَفع بهَا شَيْء من الْحَيَوَان فالعاقل لَا يغتبط بِصفة يفوقه فِيهَا سبع أَو بَهِيمَة أَو جماد وَإِنَّمَا يغتبط بتقدمه فِي الْفَضِيلَة الَّتِي أبانه الله تَعَالَى بهَا عَن السبَاع والبهائم والجمادات وَهِي التَّمْيِيز الَّذِي يُشَارك فِيهِ الْمَلَائِكَة فَمن سر بشجاعته الَّتِي يَضَعهَا فِي غير موضعهَا لله عز وَجل فَليعلم أَن النمر أجرأ مِنْهُ وَأَن الْأسد وَالذِّئْب والفيل أَشْجَع مِنْهُ وَمن سر بِقُوَّة جِسْمه فَليعلم أَن الْبَغْل والثور والفيل أقوى مِنْهُ جسما وَمن سر بِحمْلِهِ الأثقال فَليعلم أَن الْحمار أحمل مِنْهُ وَمن سر بِسُرْعَة