غرائب أَخْلَاق النَّفس يَنْبَغِي للعاقل أَن لَا يحكم بِمَا يَبْدُو لَهُ من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وَشدَّة تلويه وتقلبه وبكائه فقد وقفت من بعض من يفعل هَذَا على يَقِين أَنه الظَّالِم المعتدي المفرط الظُّلم وَرَأَيْت بعض المظلومين سَاكن الْكَلَام مَعْدُوم التشكي مظْهرا لقلَّة المبالاة فَيَسْبق إِلَى نفس من لَا يُحَقّق النّظر أَنه ظَالِم وَهَذَا مَكَان يَنْبَغِي التثبت فِيهِ ومغالبة ميل النَّفس جملَة وَأَن لَا يمِيل الْمَرْء مَعَ الصّفة الَّتِي ذكرنَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَكِن يقْصد الْإِنْصَاف بِمَا يُوجِبهُ الْحق على السوَاء من عجائب الْأَخْلَاق أَن الْغَفْلَة مذمومة وَأَن اسْتِعْمَالهَا مَحْمُود وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن من هُوَ مطبوع على الْغَفْلَة يستعملها فِي غير موضعهَا وَفِي حَيْثُ يجب التحفظ وَهُوَ مغيب عَن فهم الْحَقِيقَة فَدخلت تَحت الْجَهْل فذمت لذَلِك وَأما المتيقظ الطَّبْع فَإِنَّهُ لَا يضع الْغَفْلَة إِلَّا فِي موضعهَا الَّذِي يذم فِيهِ الْبَحْث والتقصي والتغافل فهما للْحَقِيقَة وإضرابا عَن الطيش واستعمالا للحلم وتسكينا للمكروه فَلذَلِك حمدت حَالَة التغافل وذمت الْغَفْلَة وَكَذَلِكَ القَوْل فِي إِظْهَار الْجزع وإبطانه وَفِي إِظْهَار