من أَرَادَ الْإِنْصَاف فليتوهم نَفسه مَكَان خَصمه فَإِن يلوح لَهُ وَجه تعسفه حد الحزم معرفَة الصّديق من الْعَدو وَغَايَة الْخرق والضعف جهل الْعَدو من الصّديق لَا تسلم عَدوك لظلم وَلَا تظلمه وساو فِي ذَلِك بَينه وَبَين الصّديق وَتحفظ مِنْهُ وَإِيَّاك وتقريبه وإعلاء قدره فَإِن هَذَا من فعل النوكى من سَاوَى بَين عدوه وَصديقه فِي التَّقْرِيب والرفعة فَلم يزدْ على أَن زهد النَّاس فِي مودته وَسَهل عَلَيْهِم عداوته وَلم يزدْ على استخفاف عدوه لَهُ وتمكنه من مقاتله وإفساد صديقه على نَفسه وإلحاقه بجملة أعدائه غَايَة الْخَيْر أَن يسلم عَدوك من ظلمك وَمن تَركك إِيَّاه للظلم وَأما تقريبه فَمن شيم النوكى الَّذين قد قرب مِنْهُم التّلف وَغَايَة الشَّرّ أَن يسلم صديقك من ظلمك وَأما إبعاده فَمن فعل من لَا عقل لَهُ وَمن كتب عَلَيْهِ الشَّقَاء لَيْسَ الْحلم تقريب الْأَعْدَاء وَلكنه مسالمتهم مَعَ التحفظ مِنْهُم كم رَأينَا من فاخر بِمَا عِنْده من الْمَتَاع فَكَانَ ذَلِك سَببا لهلاكه فإياك وَهَذَا الْبَاب الَّذِي هُوَ ضرّ مَحْض لَا مَنْفَعَة فِيهِ أصلا كم شاهدنا مِمَّن أهلكه كَلَامه وَلم نر قطّ أحدا وَلَا بلغنَا أَنه أهلكه