والعدو وَأما فِي الآجل فالجنة تطلبت غَرضا يَسْتَوِي النَّاس كلهم فِي استحسانه وَفِي طلبه فَلم أَجِدهُ إِلَّا وَاحِدًا وَهُوَ طرد الْهم فَلَمَّا تدبرته علمت أَن النَّاس كلهم لم يستووا فِي استحسانه فَقَط وَلَا فِي طلبه فَقَط وَلَكِن رَأَيْتهمْ على اخْتِلَاف أهوائهم ومطالبهم وتباين هممهم وإراداتهم لَا يتحركون حَرَكَة أصلا إِلَّا فِيمَا يرجون بِهِ طرد الْهم وَلَا ينطقون بِكَلِمَة أصلا إِلَّا فِيمَا يعانون بِهِ إزاحته عَن أنفسهم فَمن مُخطئ وَجه سَبيله وَمن مقارب للخطأ وَمن مُصِيب وَهُوَ الْأَقَل من النَّاس فِي الْأَقَل من أُمُوره فطرد الْهم مَذْهَب قد اتّفقت الْأُمَم كلهَا مذ خلق الله تَعَالَى الْعَالم إِلَى أَن يتناهى عَالم الِابْتِدَاء ويعاقبه عَالم الْحساب على أَن لَا يعتمدوا بسعيهم شَيْئا سواهُ وكل غَرَض غَيره فَفِي النَّاس من لَا يستحسنه إِذْ فِي النَّاس من لَا دين لَهُ فَلَا يعْمل للآخرة وَفِي النَّاس من أهل الشَّرّ من لَا يُرِيد الْخَيْر وَلَا الْأَمْن وَلَا الْحق وَفِي النَّاس من يُؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت وَفِي النَّاس من لَا يُرِيد المَال ويؤثر عَدمه على وجوده ككثير من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن تلاهم من الزهاد والفلاسفة وَفِي النَّاس من يبغض اللَّذَّات بطبعه ويستنقص طالبها كمن ذكرنَا من المؤثرين فقد المَال على اقتنائه وَفِي النَّاس من يُؤثر الْجَهْل على الْعلم كأكثر من ترى من الْعَامَّة وَهَذِه هِيَ أغراض النَّاس الَّتِي لَا غَرَض لَهُم سواهَا وَلَيْسَ فِي الْعَالم مذ كَانَ إِلَى أَن يتناهى أحد يستحسن الْهم وَلَا يُرِيد طرده عَن نَفسه فَلَمَّا اسْتَقر فِي نَفسِي هَذَا الْعلم الرفيع وانكشف لي هَذَا السِّرّ العجيب وأنار الله تَعَالَى لفكري هَذَا الْكَنْز