وليس من الشكر عونه على الآثام، وترْك نصيحته فيما يُوتِغُ1 به دينه ودنياه، بل من عاون من أحسن إليه على باطل، فقد غشّه، وكفر إحسانه، وظَلَمهُ، وجَحَدَ إنعامه، وأيضاً فإن إحسان الله تعالى وإنعامه على كل حالٍ، أعظمُ وأقدمُ، وأَهْنَأُ2 مِن نعمة كل مُنْعِم دونه -عز وجل- فهو تعالى الذي شق لنا الأبصار الناظرة، وفتق فينا الآذان السامعة، ومنحنا الحواس الفاضلة، ورزقنا النطق والتمييز اللذين بهما استأهلنا أن يخاطبنا، وسخّر لنا ما في السماوات وما في الأرض من الكواكب والعناصر، ولم يفضّل علينا مِنْ خَلْقه شيئاً غير الملائكة المقدسين، الذين هم عمّار السماوات فقط.
فأين تقع نِعَمُ المنعِمين من هذه النعم؟!
فمن قدَّر أنه يَشْكر محسناً إليه بمساعدته على باطل، أو بمحاباته فيما لا يجوز، فقد كَفَرَ نعمة أعظم المنعِمين، وجَحَدَ إحسان أجلِّ المحسنين إليه، ولم يشكر وليَّ الشكر حقاً، ولا حمد أهل الحمد أصلاً، وهو الله -عز وجل-.
ومن حال بين المحسن إليه وبين الباطل، وأقامه على مُرِّ الحق فَقَدْ شكره حقاً، وأدّى واجب حقه عليه مستوفى، ولله الحمد أوّلاً وآخراً وعلى كل حال 3.