ـــــــــــــــــــــــــــــQقَلِيلًا لَا يَضْمَنُ، وَقِيلَ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
وَالْوَصِيَّةُ بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ وَبِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ فِي مَالِهِ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ أَوْ تُجْعَلَ عَلَيْهِ قُبَّةٌ أَوْ يَدْفَعَ شَيْئًا إِلَى مَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ الْقُرْآنَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ عِمَارَةَ الْقُبُورِ لِلْأَحْكَامِ مَكْرُوهٌ، وَأَخْذُ الشَّيْءِ لِلْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ، وَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ لِلْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ تَجُوزُ.
اعْلَمْ أَنَّ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ إِمَّا إِنْ كَانَتْ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ أَوْ عِنْدَهُمْ أَوْ عِنْدَنَا، أَوْ لَا تَكُونُ قُرْبَةً أَصْلًا.
فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي عِمَارَتِهِ وَدَهْنِ مَصَابِيحِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْغُزَاةِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَهَذِهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ.
وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُوصِيَ بِدَارِهِ لِبَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ، أَوْ لِبِنَاءِ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ، أَوْ أَوْصَى أَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَيُطْعَمَ الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَفِي الْجَوَازِ تَقْرِيرُهَا فَلَا تَجُوزُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» أَيْ يَعْتَقِدُونَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ تَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ مُنِعَ لَمَا جَازَ قَبُولُ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِكُفْرِهِمْ وَبَقَائِهِمْ عَلَيْهِ.
وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ الْوَصِيَّةُ لِمَسَاجِدِنَا بِالْعِمَارَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ نَظَرًا إِلَى اعْتِقَادِهِمْ.
وَمِثَالُ الرَّابِعَةِ الْوَصِيَّةُ لِلنَّوَائِحِ وَالْمُغَنِّيَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدِنَا وَعِنْدَهُمْ وَفِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ فَلَا وَجْهَ إِلَى الْجَوَازِ، وَلَوْ كَانَ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ مُعَيَّنِينَ جَازَ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالِاسْتِخْلَافِ، وَكَذَلِكَ الْفَصْلُ الثَّالِثُ.
حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَأَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ جَازَ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَجَازُوا جَازَ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذْ هُمْ كَالْأَمْوَاتِ فِي أَحْكَامِنَا فَصَارَ كَأَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَصِحُّ.
[كتاب الفرائض]
وَهِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، فَعِيلَةٌ مِنَ الْفَرْضِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ وَالْقَطْعُ وَالْبَيَانُ. قَالَ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَيُقَالُ: فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ: أَيْ قَدَّرَهَا، وَقَالَ - تَعَالَى -: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] أَيْ بَيَّنَّاهَا، وَيُقَالُ: فَرَضَتِ الْفَأْرَةُ الثَّوْبَ: إِذَا قَطَعَتْهُ. وَالْفَرْضُ فِي الشَّرْعِ: مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْفِقْهِ فَرَائِضَ لِأَنَّهُ سِهَامٌ مُقَدَّرَةٌ مَقْطُوعَةٌ مُبَيَّنَةٌ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ.
وَإِنَّمَا خُصَّ بِهَذَا الِاسْمِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ