وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ وَبِهِ وَبِأُمِّهِ دُونَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْهُ، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ كَالْمُرْتَهِنِ إِذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ.
قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) فَلَا تَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ لَا يُقَابِلُهُ عَمَلٌ مَالِيٌّ وَلَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ فَصَارَ كَالْهِبَةِ وَتَنْجِيزِ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ ثُمَّ مَاتَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إِنْ أَدْرَكْتُ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ إِذَا أَضَافَاهَا إِلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى زَالَ الْمَانِعُ فَتَصِحُّ.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَالثُلُثُ كَثِيرٌ» أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ، وَلِأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ، وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِهِ حَقَّهُ لَهُمْ، وَلَا صِلَةَ فِيمَا أُوصِي بِالثُّلُثِ تَامًّا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَلَا صِلَةَ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا صَدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ» ، وَهُوَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» ; لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فَيَكُونُ صَدَقَةً، وَقَرِيبٌ فَيَكُونُ صِلَةً، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ كَانُوا يَسْتَغْنُونَ بِمِيرَاثِهِمْ، قِيلَ: الْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ أَوْ مَبَرَّةٌ وَتَرْكُهَا صِلَةٌ وَالْكُلُّ خَيْرٌ.
قَالَ: (وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ بِهِ وَبِأُمِّهِ دُونَهُ) أَمَّا لِلْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ، وَالْحَمْلُ أَهْلٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ، إِلَّا أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ إِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْهُ فَلَا يَنْتَقِلُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَانْفَصَلَ حَيًّا جَازَتْ، وَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَمْ تَجُزْ ; لِأَنَّهُ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إِلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إِلَى سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إِلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ إِلَّا إِذَا