كِتَابُ السَّرِقَةِ وَهِيَ أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ نِصَابًا مُحْرَزًا، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِلْكًا لِلْغَيْرِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةَ قَمْعِ الصَّفْرَاءِ وَالتَّغَدِّي وَمَصَالِحَ كَثِيرَةً، وَإِذَا زَالَ الْمُفْسِدُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ حَلَّتْ كَمَا إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا، وَإِذَا تَخَلَّلَتْ طَهُرَ الْإِنَاءُ أَيْضًا، لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهُ خَالِيًا عَنِ الْخَلِّ فَقِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا، وَقِيلَ يُغْسَلُ بِالْخَلِّ لِيَطْهُرَ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَكَذَا لَوْ صُبَّ مِنْهُ الْخَلُّ، فَمَا خَلَا طَهُرَ مِنْ سَاعَتِهِ؛ وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ مِنَ الْعَطَشِ وَلَمْ يَجِدْ إِلَّا خَمْرًا فَلَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا مَا يَأْمَنُ بِهِ مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ يَكُفَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْخَمْرُ مِثْلُهَا فِي التَّحْرِيمِ فَتَكُونُ مِثْلَهَا فِي الْإِبَاحَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، فَإِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ زَالَتِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ عَادَ التَّحْرِيمُ.
وَإِذَا وُجِدَتِ الْخَمْرُ فِي دَارِ إِنْسَانٍ وَعَلَيْهَا قَوْمٌ جَلَسُوا مَجَالِسَ مَنْ يَشْرَبُهَا وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ يَشْرَبُونَهَا عُزِّرُوا، لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا أَمْرًا مَحْظُورًا وَجَلَسُوا مَجْلِسًا مُنْكَرًا، وَكَذَلِكَ مَنْ وُجِدَ مَعَهُ آنِيَةُ خَمْرٍ عُزِّرَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا.
[كِتَابُ السَّرِقَةِ]
ِ (وَهِيَ) فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَالِاسْتِسْرَارِ بِغَيْرِ إِذَنِ الْمَالِكِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ، وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ} [الحجر: 18] وَسَرِقَةُ الشَّاعِرِ الْمَعْنَى وَسَرِقَةُ الصَّنْعَةِ، وَنَحْوُهُ.
وَفِي الشَّرْعِ: (أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ نِصَابًا مُحْرَزًا، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِلْكًا لِلْغَيْرِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ) وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، أَوِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا إِذَا نَقَبَ الْبَيْتَ خُفْيَةً وَأَخَذَ الْمَالَ مُكَابَرَةً وَذَلِكَ يَكُونُ لَيْلًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَحَسُّوا بِهِ فَكَابَرَ وَأَخَذَ وَلَا غَوْثَ بِاللَّيْلِ فَيُقْطَعُ؛ أَمَّا النَّهَارُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمُ الْغَوْثُ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، فَيُشْتَرَطُ الْخُفْيَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا فَهِيَ مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ وَفِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَهِيَ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ وَأَعْوَانِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ إِنَّمَا تَصِيرُ مَصُونَةً مُحْرَزَةً بِحِفْظِ الْإِمَامِ وَحِمَايَتِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا) ؛ وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَاهُ» «وَرُفِعَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقٌ فَقَطَعَهُ»