وَمَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا كَافِرُ، أَوْ يَا سَارِقُ، أَوْ يَا مُخَنَّثُ عُزِّرَ؛ وَكَذَلِكَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ إِنْ كَانَ فَقِيهًا أَوْ عَلَوِيًّا. وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَهُوَ هَدَرٌ؛ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ، وَتَرْكِ إِجَابَتِهِ إِلَى فِرَاشِهِ، وَتَرْكِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ، وَمَنْ سَرَقَ، أَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ غَيْرَ مَرَةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِلْكُلِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ يَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالشَّرْعِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنِ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ وَفِيهِ مَعْنَى الزَّجْرِ وَلِأَجْلِهِ يُسَمَّى حَدًّا.
وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ إِخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنِ الْفَسَادِ، وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَالِبِ فِيهِمَا، فَأَصْحَابُنَا غَلَّبُوا حَقَّ الشَّرْعِ، لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مُسْتَوْفًى ضِمْنًا لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، إِذْ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ إِلَّا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ.
فَصْلٌ (وَمَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا خَبِيثُ، أَوْ يَا كَافِرُ، أَوْ يَا سَارِقُ، أَوْ يَا مُخَنَّثُ عُزِّرَ) لِأَنَّهُ آذَاهُ بِذَلِكَ وَأَلْحَقَ بِهِ الشَّيْنَ، وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ لِيَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ. وَفِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، يَا خَائِنُ يُعَزَّرُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتَ تَأْوِي اللُّصُوصَ، أَوْ تَأْوِي الزَّوَانِي لِمَا بَيَّنَّا.
(وَكَذَلِكَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ إِنْ كَانَ فَقِيهًا أَوْ عَلَوِيًّا) وَكَذَلِكَ يَا ثَوْرُ يَا كَلْبُ لِأَنَّهُ يُلْحِقُهُ بِذَلِكَ الْأَذَى دُونَ الْجَاهِلِ الْعَامِّيِّ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي عُرْفِنَا لِأَنَّهُمْ صَارُوا يَعُدُّونَهُ سَبًّا. وَقِيلَ لَا يُعَزَّرُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِنَفْيِهِ فَمَا لَحِقَهُ بِهِ شِينٌ، وَإِنَّمَا لَحِقَ الْقَاذِفَ شِينُ الْكَذِبِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُشَبَّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِسُوءِ خُلُقِهِ أَوْ قُبْحِ خِلْقِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْصِيَةٍ. رَجُلٌ زَنَا بِامْرَأَةٍ مَيْتَةٍ يُعَزَّرُ.
قَالَ: (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ كَالْفَصَادِ، أَوْ نَقُولُ: اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَاتَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ.
قَالَ: (وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ) إِذَا أَرَادَهَا (وَتَرْكِ إِجَابَتِهِ إِلَى فِرَاشِهِ، وَتَرْكِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ) لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتُعَزَّرُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ، أَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ فَهُوَ لِلْكُلِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْزِجَارُ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ بِالْأَوَّلِ فَيَتَمَكَّنُ فِي الثَّانِي شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَقْصُودِ فَلَا يَجِبُ؛ أَمَّا لَوْ زَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ عَلَى حِدَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَ لِأَحَدِهَا رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الْبَاقِي فَلَا يَنْزَجِرُ عَنْهَا، وَلَا كَذَلِكَ إِذَا اتَّحَدَتِ الْجِنَايَةُ؛