لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا إِلَّا بِدَعْوَاهُ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَبُتَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ، وَيَنْتَفِي بِمُجَرَدِ نَفْيِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فَرْعٌ لِثُبُوتِ الْوَلَدِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ ثَبَتَ فَرْعُهُ.
قَالَ: (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا إِلَّا بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهَا، فَإِنَّ غَالِبَ الْمَقْصُودِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ، فَإِنَّ أَشْرَافَ النَّاسِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ وَطْءِ الْإِمَاءِ تَحَرُّزًا عَنِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يُعَيَّرَ وَلَدُهُ بِكَوْنِهِ وَلَدَ أَمَةٍ، فَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ دَعْوَاهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ الْعَزْلُ فِي الْأَمَةِ دُونَ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ طَلَبُ الْوَلَدِ غَالِبًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَرْعِيَّةِ النِّكَاحِ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ يَطَؤُهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا وَلَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ النَّفْيُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ يَطَؤُهَا وَلَمْ يُحَصِّنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَدَّعِيَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعْتِقَ وَلَدُهَا وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا فَإِذَا مَاتَ أَعْتَقَهَا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَلَا يَنْفِيهِ بِالشَّكِّ.
وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الْتِزَامُهُ بِالشَّكِّ. أَمَّا الْعِتْقُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَلَا يَسْتَرِقُّهُ بِالشَّكِّ، وَيَسْتَمْتِعُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَإِذَا مَاتَ أَعْتَقَهَا حَتَّى لَا تُسْتَرَقَّ بِالشَّكِّ.
(فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْأَوَّلَ وَثَبَتَ نَسَبُهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْوَلَدَ فَصَارَتْ فِرَاشًا فَيَثْبُتُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ كَالْمَنْكُوحَةِ.
(وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ) لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى إِبْطَالِهِ بِالتَّزْوِيجِ وَبِالْعِتْقِ فَيَنْفَرِدُ بِنَفْيِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ فِرَاشَهُ قَوِيٌّ لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهُ فَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ حُبْلَى مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ سِقْطًا قَدِ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ إِذَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكُلِّ لِأَنَّ السِّقْطَ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَلْقَتْهُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً فَادَّعَاهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَمًا أَوْ لَحْمًا فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِالشَّكِّ.
وَلَوْ حَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَطْءِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ، أَوْ بِوَطْئِهِ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ مَا تَلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ فِرَاشَهَا انْقَطَعَ، وَإِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ مِنْ رَجُلٍ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى بِهَا ثُمَّ مَلَكَهَا وَوَلَّدَهَا عَتَقَ الْوَلَدُ وَجَازَ لَهُ بَيْعُ الْأُمِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ بِالْوِلَادَةِ فَيَثْبُتُ لِأُمِّهِ الِاسْتِيلَادُ كَالثَّابِتِ النَّسَبِ. وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَتْبَعُ النَّسَبَ وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهِ،