وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ، وَإِذَا وَلَدَتِ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَسَقَطَ عَنْهَا التَّدْبِيرُ وَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَهُ اسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَوَطْؤُهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوَّلًا. وَفِي مَوْتِي، لِأَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ جَعَلَهُ شَرْطًا، وَكَذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أَوِ الْهَلَاكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ وَنَحْوِهَا فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي وَانْتِقَالَهُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ، وَأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُرِّيَّةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: بِعْتُ نَفْسَكَ مِنْكَ، أَوْ وَهَبْتُهَا لَكَ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ مَالِهِ وَرَقَبَتِهِ مِنْ مَالِهِ فَيَمْلِكُهَا فَيَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ السُّدُسِ، وَلَوْ قَالَ: بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مُبْهَمٍ وَالتَّعْيِينُ إِلَى الْوَرَثَةِ فَلَا تَكُونُ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِي الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ: إِذَا مِتُّ وَدُفِنْتُ أَوْ غُسِّلْتُ أَوْ كُفِّنْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِمَعْنًى آخَرَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقَ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالْمَوْتِ وَمَعْنًى آخَرَ، فَصَارَ كَمَا إِذَا قَالَ: إِذَا مِتُّ وَدَخَلْتُ الدَّارَ، لَكِنِ اسْتُحْسِنَ أَنْ يُعْتَقَ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِصِفَةٍ تُوجَدُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ بِصِفَةٍ، بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ، لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَوْتِ فَصَارَتْ يَمِينًا فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ. وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: إِنْ مِتُّ أَوْ مَاتَ زَيْدٌ، وَإِذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِالْعِتْقِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ» ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ إِبْطَالُهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ حَقًّا فِي الْحُرِّيَّةِ فَيَمْنَعُ الْبَيْعَ كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحُرِّ يَجُوزُ فِي الْمُدَبَّرِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَطْءِ، لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَجُوزُ فِي الْحُرِّ لَا يَجُوزُ فِي الْمُدَبَّرِ إِلَّا الْكِتَابَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ.
أَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ) لِأَنَّهَا تَعْجِيلُ الْحُرِّيَّةِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَلَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ نَجَزَ الْعِتْقُ، (وَإِذَا وَلَدَتِ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ مَوَلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَسَقَطَ عَنْهَا التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهَا فَإِنَّهُ زِيَادَةُ وَصْفٍ وَتَأْكِيدٍ، لِأَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَهُ اسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَوَطْؤُهَا) لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِيهَا فَتَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَلِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا.