وَمَا يَجْرِي فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لِقَرْيَةٍ فَلِغَيْرِهِمْ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي الشَّفَةِ، وَمَا أُحْرِزَ فِي جُبٍّ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ.

وَلَوْ كَانَتِ الْبِئْرُ أَوِ الْعَيْنُ أَوِ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إِنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ. فَإِنْ مَنَعَهُ وَهُوَ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَطِيَّتِهِ قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ. وَالطَّعَامُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَ) الثَّالِثُ: (مَا يَجْرِي فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لِقَرْيَةٍ، فَلِغَيْرِهِمْ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي الشَّفَةِ) ، وَهُوَ الشِّرْبُ وَالسَّقْيُ لِلدَّوَابِّ. وَلَهُمْ أَخْذُ الْمَاءِ؛ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخُبْزِ وَالطَّبْخِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ.

رُوِيَ أَنَّهُ وَرَدَتْ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَسَائِلُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَدَفَعَهَا إِلَى زُفَرَ؛ لِيَكْتُبَ فِيهَا. مِنْهَا: رَجُلٌ لَهُ مَاءٌ يَجْرِي إِلَى مَزَارِعِهِ، فَيَجِيءُ رَجُلٌ، فَيَسْقِي إِبِلَهُ وَدَوَابَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُنْفِذَهُ كُلَّهُ - هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَعَرَضَهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَغَلَّطَهُ، وَقَالَ: لِصَاحِبِ الْإِبِلِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ. وَالْحَدِيثُ يَشْمَلُ الشِّرْبَ وَالشُّرْبَ، إِلَّا أَنَّ الشِّرْبَ خُصَّ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَهْلِهِ، وَبَقِيَ حَقُّ الشَّفَةِ لِلضَّرُورَةِ إِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَالْبِئْرُ وَالْحَوْضُ حُكْمُهُمَا حُكْمُ النَّهْرِ الْخَاصِّ.

(وَ) الرَّابِعُ: (مَا أُحْرِزَ فِي جُبٍّ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ، وَصَارَ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَتِهِ؛ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ.

قَالَ: (وَلَوْ كَانَتِ الْبِئْرُ أَوِ الْعَيْنُ أَوِ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إِنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ) ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضَفَّتَهُ، (أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ. فَإِنْ مَنَعَهُ، وَهُوَ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَطِيَّتِهِ - قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ) ؛ لِمَا رُوِيَ أَنْ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً، فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ، فَأَبَوْا. فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَنْقَطِعُ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: هَلَّا وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلَاحَ؟ وَلِأَنَّهُ مَنْعُ الْمُضْطَرِّ عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الشَّفَةِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ.

(وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ حَتَّى كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ، فَبِالْمَنْعِ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُؤَدِّبُهُ. (وَالطَّعَامُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ) فِي الْإِبَاحَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِمَا بَيَّنَّا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015