وَمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا وَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمِيرَاثِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنَ الْمَعْرُوفَ السَّبَبِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُضِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ بِمَالِهِ بِأَوَّلِ مَرَضِهِ حَتَّى يَنْتَقِضَ تَبَرُّعُهُ لِحَقِّهِمْ، فَفِي إِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِمْ إِبْطَالُ حَقِّهِمْ فَلَا يَصِحُّ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْقَاضِي حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فَكَانَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَكَذَا الدُّيُونُ الْمَعْرُوفَةُ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ، فَإِذَا قُضِيَتْ دُيُونُ الصِّحَّةِ وَالْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ يَقْضِي مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ، وَكَانَ أَحَقَّ مِنَ الْوَرَثَةِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ؛ لَأَنَّ مَالَهُ إِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَ فَرَاغِ حَاجَتِهِ، وَفَرَاغُ ذِمَّتِهِ مِنْ أَهَمِّ الْحَوَائِجِ.

قَالَ: (وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) . قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إِقْرَارَ بِدَيْنٍ» ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَإِقْرَارُهُ لِبَعْضِهِمْ إِبْطَالٌ لِحَقِّ الْبَاقِينَ، وَفِيهِ إِيقَاعُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيثَارِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، وَأَنَّهُ مَنْشَأٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَقَضِيَّةُ يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أَكْبَرُ شَاهِدٍ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ إِنْ قَبَضَ مِنْهُ دَيْنَهُ أَوْ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَهُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ قَبَضَ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدَهُ، أَوِ اسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَلَا مُكَاتِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ مِلْكًا أَوْ حَقًّا، وَلَوْ صَدَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ لِلْوَارِثِ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ؛ وَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثُهُ ثُمَّ جَاءَهُ ابْنٌ وَمَاتَ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَخِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ بِطَلَ الْإِقْرَارُ لِلْأَخِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَارِثَ مَنْ يَرِثُهُ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَرِثْ فَصَحَّ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَرِثَ فَلَمْ يَصِحَّ.

(وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا وَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمِيرَاثِ) وَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا أَوْ أَوْصَى، وَقَالَا لَهَا فِي الثَّانِيَةِ مَا أَقَرَّ لَهَا أَوْ أَوْصَى؛ وَقَالَ زُفَرُ فِي الْأُولَى كَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَهُمَا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ بِالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَصِحُّ لَهَا الْإِقْرَارُ وَالْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ دَلِيلُ التُّهْمَةِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ فَإِنَّهَا تَخْتَارُ الْفُرْقَةَ لِيَنْفَتِحَ عَلَيْهَا بَابُ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ فَيَصِلُ إِلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ مِيرَاثِهَا وَيَصْطَلِحَانِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَالْإِقْرَارُ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا جَاءَتِ التُّهْمَةُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015