وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَإِذَا خَرِبَتِ الدَّارُ أَوِ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ مَاءُ الرَّحَى انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ، وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ.
فَصْلٌ وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعُذْرِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْعَمَلِ بِدُونِ الْعَقْدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ عَنْهُ فِي الْعُيُونِ إِنْ كَانَتِ الْخِيَاطَةُ حِرْفَتَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ لَهُ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أَجْرَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَامَلَةً فَيَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِ اتَّخَذَ حَانُوتًا وَانْتَصَبَ لِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ عُرْفًا، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْقُشَ اسْمَهُ عَلَى فَصِّهِ فَنَقَشَ اسْمَ غَيْرِهِ ضَمَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ غَرَضَهُ وَهُوَ الْخَتْمُ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ؛ وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَسَمَّى طُولَهَا وَعَرْضَهَا جَازَ؛ وَفِي الْقُبُورِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عُرْفًا، فَإِنْ وَجَدَ بَاطِنَ الْأَرْضِ أَشَدَّ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَفْرُ فَهُوَ عُذْرٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَفْرَغَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ وَاحِدٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ التَّمَامِ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرِبَتِ الدَّارُ، أَوِ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ مَاءُ الرَّحَى، انْفَسَخَ الْعَقْدُ) لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ لَهُ الْفَسْخُ. قَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا: لَوِ انْهَدَمَ الْبَيْتُ الْمُسْتَأْجَرُ فَبَنَاهُ الْآجِرُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَذَلِكَ لَأَنَّ أَصْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَفُوتُ، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْبِنَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ فَصَارَ كَالْعَيْبِ فَيَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ، وَلَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يُخِلُّ بِالْمَنَافِعِ كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَنَدَبِهَا وَانْهِدَامِ بَعْضِ الْبِنَاءِ فَلَهُ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ، وَيُلْزِمُهُ جَمِيعَ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ، فَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ أَوْ أَزَالَهُ الْمُؤَجِّرُ فَلَا خِيَارَ لَهُ.
(وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا تَبْقَى بِدُونِ الْعَاقِدِ.
(وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) كَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ فَكَأَنَّهُ مُعَبِّرٌ.
فَصْلٌ (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعُذْرِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ إِلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ يَكُونُ عُذْرًا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ.