فَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ (ف) ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ مَعْرِفَةً نَافِيَةً لِلْجَهَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ كَيْلًا وَوَزْنًا وَمُجَازَفَةً؛ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ (سم) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ كَمَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَبَلَغَهُ فَقَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا إِذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالنِّكَاحُ؛ وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ إِنْ لَمْ يَفْصِلَا بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِسَكْتَةٍ انْعَقَدَ الْبَيْعُ، وَإِنْ فَصَلَا لَمْ يَنْعَقِدْ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْأَبْدَانِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (فَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ) لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ، فَخِيَارُ أَحَدِهِمَا الْفَسْخَ إِضْرَارٌ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِ، وَالنَّصُّ يَنْفِيهِ؛ وَمَا رُوِيَ مِنَ الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ، هَكَذَا قَالَهُ النَّخَعِيُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ " الْمُتَبَايِعَانِ " يَقْتَضِي حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَقَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " أَيْ بِالْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ مَعْرِفَةً نَافِيَةً لِلْجَهَالَةِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَيَكْتَفِي بِالْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلتَّعْرِيفِ قَاطِعَةٌ لِلْمُنَازَعَةِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْأُنْمُوذَجِ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَرُؤْيَةُ الْأُنْمُوذَجِ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ، إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ فَيَكُونَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْأُنْمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَيَذْكُرُ لَهُ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَيَكُونُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ لِتُعَيِّنَهُ.
(وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) لِلتَّعَارُفِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الدَّارَ بِعَشَرَةٍ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، أَوْ هَذَا الْبِطِّيخَ بِعَشَرَةٍ وَهُوَ فِي بَلَدٍ يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ، انْصَرَفَ فِي الدَّارِ إِلَى الدَّنَانِيرِ، وَفِي الثَّوْبِ إِلَى الدَّرَاهِمِ، وَفِي الْبِطِّيخِ إِلَى الْفُلُوسِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَامَلُوا بِهَا يَنْصَرِفْ إِلَى الْمُعْتَادِ عِنْدَهُمْ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ كَيْلًا وَوَزْنًا وَمُجَازَفَةً) وَمُرَادُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَلِأَنَّهُ لَا رِبًا إِلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ إِلَّا فِيهِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ جُمْلَةُ قُفْزَانِهَا، إِمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَا: يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهَا وَلَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إِلَى الْأَقَلِّ.