فكانت الفرصة مواتيةً لخروج دعايا ودَعِيّات التحرير، اللآتي لم يرفعن بهدى الله رأسًا، ولم يرَيْنَ في وأد العفة بأسًا؛ فنادوا بتغريب الفتاة، وعمدوا إلى إلغاء كل تشريع إسلامي يخص المرأة، بتدرج محسوب، وخطوات بطيئة، يستدرجون بها الغافلين والغافلات، فقال قائلهم أول الأمر: مادام الرجل التركي لايقدر أن يمشي علنًا مع المرأة التركية، وهي سافرة الوجه فلست أَعُدُّ في تركيا دستورًا ولاحرية.
ثم بعد هنيهة قال الآخر: ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت، ولو كان من غير المسلمين، بل ما دامت لا تعقد (مقاولة) مع رجل تعيش وإياه كما تريد، مسلمًا أو غير مسلم، فإنه لا تُعَدّ تركيا قد بلغَتْ رُقِيًّا.
فالمسألة ليست منحصرة في السفور، ولاهي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجيء كيفما تشاء، بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصلة بعضها ببعض.
«لَقَدْ كُنَّا وَكَانَتْ العِفَّة فِي سِقَاء مِنْ الحِجَاب موكوء فَمَا زِلْتُمْ بِهِ تَثْقُبُونَ فِي جَوَانِبه كُلّ يَوْم ثَقْبًا وَالْعِفَّة تَسَلُّل مِنْهُ قَطْرَة قَطْرَة حَتَّى تَقَبَّض وتكَرَّشَ (?) ثُمَّ لَمْ يُكَلِّفكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى جِئْتُمْ اليَوْم تُرِيدُونَ أَنْ تَحِلُّوا وكاءه حَتَّى لَا تَبْقِي فِيهِ قَطْرَة وَاحِدَة» (?).
إن من أمعن النظر في حال المسلمين اليوم، وحالهم قبل عقود رأى كيف يسير ركب التغريب، وعلم أين يحُطُّ من يَمَّمَ سَمْتَهُم، واقتفى أَثَرَهُم.
وكما ترى فإن الطريق بعيد، له مراحل شتى، ربما حل أول تلك المراحل طيبون، استبعدوا أن يحط بهم من يعزم قطعه، ولكن سرعان ما جاورهم آخرون، فتتابع الناس