اِسْتَرَدَّهَا مَمْلُوءَة يَأْسًا وَحُزْنًا.
ثُمَّ بَدَأَ يَنْزِع نَزْعًا شَدِيدًا وَيَئِنّ أَنِينًا مُؤْلِمًا فَلَمْ تَبْقَ عَيْن مِنْ العُيُون المُحِيطَة بِهِ إِلَّا ارفَضَّتْ عَنْ كُلّ مَا تَسْتَطِيع أَنْ تَجُود بِهِ مِنْ مَدَامِعهَا.
فَإِنَّا لِجُلُوس حَوْله وَفْد بَدَأَ المَوْت يُسْبِل أَسْتَاره عَلَى سَرِيره وَإِذَا اِمْرَأَة مؤتزرة بِإِزَار أَسْوَد قَدْ دَخَلَتْ الحُجْرَة وَتَقَدَّمَتْ نَحْوه بِبُطْء حَتَّى رَكَعَتْ بِجَانِبِهِ ثُمَّ أَكَبَتْ (?) عَلَى يَده المَوْضُوعَة فَوْق صَدْره فَقَبَّلَتْهَا وَأَخَذَتْ تَقُول لَهُ:
«لَا تُخْرِج مِنْ الدُّنْيَا وَأَنْتِ مُرْتَاب فِي وَلَدك فَإِنَّ أُمّه تَعْتَرِف بَيْن يَدَيْك وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى رَبّك أَنَّهَا ـ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ دَنَتْ مِنْ الجَرِيمَة ـ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبهَا فَاعْفُ عَنِّي يَا وَالِد وَلَدِي».
ثُمَّ اِنْفَجَرَتْ بَاكِيَة فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأَلْقَي عَلَى وَجْههَا نَظْرَة بَاسِمَة كَانَتْ هِيَ آخِر عَهْده بِالْحَيَاةِ وَقَضَى (?).
الآن عُدْت مِنْ المَقْبَرَة بَعْد مَا دَفَنَتْ صَدِيقِي بِيَدِي وَأَوْدَعَتْ حُفْرَة القبْر ذَلِكَ الشَّبَاب النَّاضِر والروض الزَّاهِر وَجَلَسْتُ لِكِتَابَة هَذِهِ السُّطُور وَأَنَا لَا أَكَاد أَمَلك مَدَامِعِي وَزَفَرَاتِي، فَلَا يُهَوِّن وَجْدِي عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الأُمَّة كَانَتْ عَلَى بَاب خَطِر عَظِيم مِنْ أخطارها فَتَقَدِّم هُوَ أَمَامهَا إِلَى ذَلِكَ الخَطَر وَحْده فَاقْتَحَمَهُ فَمَاتَ» (?).
آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهَنَّا به فإن مساوئه تلاحقنا، وأضراره تفتك بعائلاتنا، وأن الفطرة السليمة تأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات