بِذَلِكَ العَيْش الذِي خَلفْتُمُوهُ هُنَاكَ.

لَقَدْ كُنَّا وَكَانَتْ العِفَّة فِي سِقَاء مِنْ الحِجَاب موكوء فَمَا زِلْتُمْ بِهِ تَثْقُبُونَ فِي جَوَانِبه كُلّ يَوْم ثَقْبًا وَالْعِفَّة تَسَلُّل مِنْهُ قَطْرَة قَطْرَة حَتَّى تَقَبَّض وتكَرَّشَ (?) ثُمَّ لَمْ يُكَلِّفكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى جِئْتُمْ اليَوْم تُرِيدُونَ أَنْ تَحِلُّوا وكاءه حَتَّى لَا تَبْقِي فِيهِ قَطْرَة وَاحِدَة.

عَاشَتْ المَرْأَة المِصْرِيَّة حِقْبَة مِنْ دَهْرهَا هَادِئَة مُطَمْئِنَة فِي بَيْتهَا رَاضِيَة عَنْ نَفْسهَا وَعَنْ عِيشَتهَا، تَرَى السَّعَادَة كُلّ السَّعَادَة فِي وَاجِب تُؤَدِّيه لِنَفْسِهَا أَوْ وَقْفَة تَقِفُهَا بَيْن يَدَيْ رَبّهَا أَوْ عطفة تَعَطِفهَا عَلَى وَلَدهَا أَوْ جلْسَة تَجْلِسهَا إِلَى جَارَتهَا تَبُثّهَا ذَات نَفْسهَا وتستبثها سَرِيرَة قَلْبهَا، وَتَرَى الشَّرَف كُلّ الشَّرَف فِي خُضُوعهَا لِأَبِيهَا وائتمارها بِأَمْر زَوْجهَا وَنُزُولهَا عِنْد رِضَاهُمَا، وَكَانَتْ تَفْهَم مَعْنَى الحُبّ وَتَجْهَل مَعْنَى الغَرَام فَتُحِبّ زَوْجهَا لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا كَمَا تُحِبّ وَلَدهَا لِأَنَّهُ وَلَدهَا فَإِنْ رَأَى غَيْرهَا مِنْ النِّسَاء أَنَّ الحُبّ أَسَاس الزَّوَاج رَأَتْ هِيَ أَنَّ الزَّوَاج أَسَاس الحُبّ.

فَقُلْتُمْ لَهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الذِينَ يَسْتَبِدُّونَ بِأَمْرِك مَنْ أَهْلك لَيْسُوا بِأَوْفَر مِنْك عَقْلًا وَلَا أَفْضَل رَأْيًا وَلَا أَقْدَر عَلَى النَّظَر لَك مِنْ نَظَرك لِنَفْسِك فَلَا حَقّ لَهُمْ فِي هَذَا السُّلْطَان الذِي يَزْعُمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ فازْدَرَتْ أَبَاهَا وَتَمَرَّدَتْ عَلَى زَوْجهَا وَأَصْبَحَ البَيْت الذِي كَانَ بِالْأَمْسِ عُرْسًا مِنْ الأَعْرَاس الضَّاحِكَة مَنَاحَة قَائِمَة لَا تَهْدَأ نَارهَا وَلَا يَخْبُو أُوَارِهَا (?).

وَقُلْتُمْ لَهَا لَا بُدّ لَك أَنْ تَخْتَارِي زَوْجك بِنَفْسِك حَتَّى لَا يَخْدَعك أَهْلك عَنْ سَعَادَة مُسْتَقْبَلك فَاخْتَارَتْ لِنَفْسِهَا أَسْوَأ مِمَّا اِخْتَارَ لَهَا أَهْلهَا فَلَمْ يَزِدْ عُمْر سَعَادَتهَا عَلَى يَوْم وَلَيْلَة ثُمَّ الشَّقَاء الطَّوِيل بَعْد ذَلِكَ العَذَاب الأَلِيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015