خاتون الملكه، فعزم أبوه على تمليكه من بعده، فوضع عليه عيونا، يأتونه باخباره، فكان يأتيه عنه ما يحبه، فكتب له عهدا، واستودعه رئيس نساكهم في دينهم، فلما تم لملكه ثمان واربعون سنه مات.
فلما مات انوشروان ملك ابنه هرمزد بن كسرى، فقال يوم ملك: الحلم عماد الملك، والعقل عماد الدين، والرفق ملاك الأمر، والفطنة ملاك الفكره، ايها الناس، ان الله خصنا بالملك، وعمكم بالعبودية، وكرم ملكتنا فاعتقكم بها، وأعزنا، واعزكم بعزنا، وقلدنا الحكومة فيكم، والزمكم الانقياد لأمرنا، وقد اصبحتم فرقتين: إحداهما اهل قوه، والاخرى اهل ضعه، فلا يستاكلن منكم قوى ضعيفا، ولا يغشن ضعيف قويا، ولا تتوقن نفس احد من الغلبه الى ضيم احد من اهل الضعة، فان في ذلك وهنا لملكنا، ولا يرومن اهل من اهل الضعة الأخذ بماخذ الغلبه، فان في ذلك انتثار ما نحب نظامه وزوال ما نحاول قوامه، وفوت ما نحاول دركه، واعلموا ايها الناس، ان من سوسنا العطف على الأقوياء من الغلبه، ورفع مراتبهم، والرحمه على الضعفاء، والذب عنهم، وحسم الأقوياء عن ظلمهم والتعدى عليهم، واعلموا ايها الناس ان حاجتكم إلينا في نفس حاجتنا إليكم، وحاجتنا إليكم هي مسد لحاجتكم إلينا، وان الثقيل مما أنتم منزلوه بنا من أموركم عندنا خفيف، والخفيف مما نحن مجشموكم ثقيل لعجزكم عما نحن مضطلعون به، واضطلاعنا لما أنتم عنه عاجزون، وانما تحمدون حسن ملكتنا إياكم، وفضل سيرتنا فيكم إذا حسمتم انفسكم عما نهيناكم عنه، ولزمتم ما أمرناكم به.
ايها الناس، ميلوا بين الأمور المتشابهات، ولا تسموا النسك رياء، ولا الرياء مراقبه، ولا الشراره شجاعة، ولا الظلم حزما، ولا رحمه الله نقمه، ولا مخوف الفوت هوينا، ولا البر بالقربى ملقا، ولا العقوق موجده، ولا الشك براء، ولا الإنصاف ضعفا، ولا الكرم معجزه، ولا التبرم عاده، ولا الأخذ