فلا يطلع عليه راكب من جهة العراق الا ساله عن الخبر، فبينا هو كذلك يوما طلع عليه البشير بالفتح، فلما رآه عمر رضى الله عنه ناداه من بعيد: ما الخبر؟، قال: فتح الله على المسلمين، وانهزمت العجم. وجعل الرسول يخب ناقته، وعمر يعدو معه، ويسأله، ويستخبره، والرسول لا يعرفه، حتى دخل المدينة كذلك، فاستقبل الناس عمر رضى الله عنه، يسلمون عليه بالخلافة وامره المؤمنين، فقال الرسول، وقد تحير: سبحان الله يا امير المؤمنين! الا أعلمتني؟ فقال عمر: لا عليك. ثم أخذ الكتاب، فقراه على الناس.
واقام سعد في عسكره بالقادسية الى ان أتاه كتاب عمر، يأمره ان يضع لمن معه من العرب دار هجره، وان يجعل ذلك بمكان لا يكون بين عمر وبينهم بحر، فسار الى الأنبار [1] ليجعلها دار هجره، فكرهها لكثرة الذباب بها، ثم ارتحل الى كويفه ابن عمر [2] ، فلم يعجبه موضعها، فاقبل حتى نزل موضع الكوفه اليوم، فخطها خططا بين من كان معه، وبنى لنفسه القصر والمسجد.
وبلغ عمر ان سعدا علق بابا على مدخل القصر، فامر محمد بن مسلمه ان يسير الى الكوفه، فيدعو بنار، فيحرق ذلك الباب، وينصرف من ساعته، واقبل محمد، فسار حتى دخل الكوفه، وفعل ما امر به، وانصرف من ساعته، واخبر سعد، فلم يحر جوابا، وعلم ان ذلك من امر عمر، فقال بشر بن ابى ربيعه:
الم خيال من اميمه موهنا ... وقد جعلت احدى النجوم تغور
ونحن بصحراء العذيب ودونها ... حجازيه ان المحل شطير
فزارت غريبا نازحا، جل ماله ... جواد، ومفتوق الغرار طرير
وحلت بباب القادسية ناقتي ... وسعد بن وقاص على امير
تذكر، هداك الله، وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكر غرير