ونائبُ الحاكم في الحكم يُنشئ من إِلزام النَّاس وإِبطال الإِلزام عنهم ما لم يُقرِّره مستنيبُه الذي هو القاضي الأصليُّ، بل فوَّض ذلك لنائبه، فهو متَّبع لمستنيبه من وجه، وغيرُ متَّبِع له من وجه. متَّبعٌ له في أنَّه فوَّض له ذلك وقد امتثل، وغير متبع له في أنَّ الذي صدَرَ منه من الِإلزام لم يَتقدَّم مثلُه في هذه الواقعة من مستنيبه بل هو أصلٌ فيه.
فهذا مِثالُ الحاكم مع الله تعالى، هو ممتثِلٌ لأمر الله تعالى في كونه فوَّض إِليه ذلك، فيفعله بشروطه. وهو منشئ لأنَّ الذي حَكم به تعيَّن، وتعيُّنُه لم يكن مقرَّراً في الشريعة، وليس إِنشاؤه لأجل الأدلَّة التي تُعتَمدُ في الفتاوى، لأنَّ الأدلَّة يجبُ فيها اتّباعُ الراجح.
وها هنا له أن يَحكم بأحدِ القولين المستويين على غير ترجيحِ ولا معرفةٍ بأدلَّةِ القولين إِجماعاً، بل الحاكمُ يَتبعُ الحِجاج (?). والمفتي يَتبعُ الأدلَّة. والمفتي لا يَعتمِدُ على الحِجاج بل على الأدلَّة. والأدلَّةُ: الكتابُ والسُّنَّةُ ونحوُهما (?). والحِجاجُ: البيِّنَةُ والإقرارُ ونحوهُما (?).
فهذا مِثالُ الحاكمِ والمفتي مع الله تعالى، وليس له أن يُنشئ حُكماً بالهوى واتِّبِاعِ الشهوات بل لا بُدَّ من أن يكون ذلك القولُ الذي حَكَم به قال