الخشبية، ونَظَر في المرأة إلى قطعة الفخارِ الهدَفِ مُسَدِّداً إليها (وإبهامُ يُمناه على زِناد البندقية) فضغط عليه وأَطلَق خُردقةَ الرصاص، فطارت قطعةُ الفَخَّار وتساقطَت كِسَراً!!.

ثم وَذَعتُه متعجباً من هذه الدقة في تسديد الرماية وانصرفنا.

وقد حدَّثني مرَّة - (ولم أُشاهِد) وهو صدوق - أنه يَغرِسُ شَفْرةَ من شَفَرات الحِلاقة في الأرض بين بَلاَطَتَينِ أمامَ جِدار، ويَبتعدُ عنها مقدارَ مترين أو ثلاثة مستقبلاً حد الشفرة، ويُصوِّبُ إليها البندقية، ويَسأل من معه: هل تريدون أن أَقْسِمَ الخردقة التي سأُطلقها على حَدِّ الشَفْرَة نصفينِ أو ثُلُثاً وثُلُثينِ؟ ثم يُطلِقُ عليها الخردقة فتنقسم على حد الشفرة قطعتينِ أنصافاً أو ثُلُثاً وثُلُثينِ كما طلبوا!!

وقد كنتُ في وقتِ مَّا خِلالَ عُضْوِيَّتي في المجلس النيابي السوري، المنتخَبِ في الدور التشريعي (1954 - 1958 م)، ذكرتُ لبعض المسؤولين الكبار من قادة الجيش مزايا الأستاذ عبد الرحمن زين العابدين، وخاصَّةَ دقتَهُ العجيبة في تسديد الرماية، واقترحتُ عليه أن يَستفيدوا منه ويعهدوا إليه بتدريب الجنود على الرماية، فلم أجد من يهتم!!.

4 - كان الأستاذُ الشيخُ عبدُ الرحمن المتحدَّثُ عنه إلى جانب مزيته النادرة هذه في الرماية صِنْعاً (?) لم أعرف ولم أسمع عن نظير له في صُنع الأشياء الدققة التي تحتاج إلى دقة بالغة، لا تُضبَطُ إلَّا بآلاتِ غايةٍ في الدقة والحَسَاسِيَة.

فكان يصنعها بيده الصَّنَاع، ويَضبِطُ مقاييسَها الدقيقة ببصره الحديد، ويستخدم فيها المِيشارَ الدقيق للحديد، والمِبردَ ومختلِفَ أحجار السَّنّ والشَّحْذ، ويستخدم المثاقبَ المتنوِّعةَ الحجوم، التي تَثْقُبُ المَعدِن من حديد أو نحاس أو غيرهما، ثَقباً لا يزيد عن حجم النَّقطةِ الصغيرة كرأس الِإبرة الدقيق فما فوق. ويصنع هو تلك المثاقب من الفولاذ بيده. وقد شاهدتُ كلِّ ذلك منه بخفسي في مختلِف زياراتي له، إذ كنتُ أمكُثُ عنده في الزيارة الواحدة ساعات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015