وأما الإجماعُ الذي غلَبَ على ظنّنا أنه خُولِفَ في القبلة ونحوِها ليس قِبالتَه معارِضٌ البتة، فلم يُمكن تقليدُ من يخالِفُه في ظننا، وفي الأوَّل لمَّا تقابلَتْ الظنون أمكن أن يكون كلُّ ظنٍّ معتبَرًا في حقّ صاحبه، ولذلك تقرَّر شرعًا عامًا في حقِّ ذلك المجتهدِ وحقِّ من قلَّده إِلى يوم القيامة، سواءٌ فرَّعنا على أنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ أم لا.
ونظيرُه لو اجتمع شافعيَّان يعتقِدان نجاسةَ الأرواث، واجتهدا في ثوبٍ تنَجَّس بالأرواث، لم تَجُز صلاةُ أحدِهما خلفَ الآخر، وتجوزُ صلاتُه خلفَ المالكيّ المعتقِدِ طهارةَ ذلك الثوب، بسبب أنهما أجمعا في الأوَّلِ على عدمِ تقليدِ مالكٍ، والصلاةُ بالرَّوْثِ مع عدمِ تقليدِ من يعتقد طهارتَه باطلةٌ بالإِجماع، فامتنَع تقليدُه له، لأنه غلَبَ على ظنِّهِ أنه على خلاف الإِجماع.
وكذلك ماءٌ نَجِسٌ لم يَتغيَّر، غير أنه أُخِذَ مِمَّا دُونَ القُلَّتينِ، إِن كانا شافعيينِ امتَنعَ التقليد، أو مالكيًّا وشافعيًّا جاز.
فضابطُ هذا الباب أبدًا أنه متى كان المقلَّدُ فيه على خلاف الإِجماع في ظنّ المقلِّد امتَنَع، وإِلا جاز، وهو سِرُّ الفِقْه في المسألة، فتأمَّلْه (?).