أو لَحْمُ السَّبُعِ مثلًا: حرامًا لقومِ حلالًا لقوم، كما جعَلَ الله تعالى الميتةَ حلالًا للمضطرّين حرامًا على المختارين، ويكونُ اختلافُ ظنونِ المجتهدين القائمةِ بهم كاختلافِ أحوالِ المضطرين والمختارين بالإضطرارِ والإختيار، فاختلافُ الصَّفَتَينِ في المحلَّينِ رتَّبَ الله تعالى عليه حُكمين متضادَّين، وهذا حقٌّ واضحٌ لا خَفَاء فيه.
فكذلك متى سُئلنا عن الشافعية هل يجب عليهم مسحُ الرأس بكماله؟ نقول: لا (?)، ونُفتي الحنفيةَ بأنه يجبُ عليهم الرُّبعُ، ولا نُفتي في مذهبِنا بخلافِ مذهبِنا (?)، لِكلِّ فرقةٍ مذهبُ إِمامِها يخالِفُنا بما يخالفُنا ويخالفُ مذهبَنا، لأنه مجمَعٌ عليه.
غيرَ أنه يُستثنى من هذا أربَعُ صُوَر خاصَّة، وهي الصُّوَر التي يُنقَضُ قضاءُ القاضي فيها: ما كان على خلافِ الِإجماعِ، أو القواعدِ، أو النصوصِ، أو القياسِ الجليّ، إِذا سَلِمَ كلٌّ مِن هذه الثلاثة عن مُعارِض راجحٍ له (?).
فإِذا غلَبَ على ظنّنا أنَّ مخالِفَنا في المسألة قد وقع في فُتياه - بما خالَفنا فيه - أحَدُ هذه الأربعة فإِنا لا نُفتي مقلِّديه في تلك المسألة الواقعة على خلافِ أحد الأمور الأربعة إِلَّا بمذهبنا، لأنَّ خلافَه غيرُ مُعتدّ به،