مقاديرها، غيرَ أنها لو فُوِّضَتْ لجميعِ الناس، فبادَرَ العامَّهُ لَجلْدِ الزُّناةِ، وقطع العُداةِ بالسرقةِ وغيرِها، اشتدتْ الحَمِيّات، وثارتْ الأَنَفَاتُ، وغَضِبَ ذوو المُروءات، فانتَشرت الفِتَن، وعَظُمتْ الإِحَن، فحسَم الشَّرعُ هذه المادةَ وفَوَّضَ هذه الأمورَ لولاةِ الأمور، فأذعن الناسُ لهم، وأجابوا طوعًا وكرهاً، واندفعت تلك المفاسدُ العظيمة.
المثالُ الثاني: قِسمةُ الغنائم معلومةُ المقاديرِ وأسبابِ الاستحقاق، غيرَ أنَّ النفوس مجبولةٌ على مَزيدِ الأطماع والمنافسةِ في كرائم الأموال، فيقصِدُ كل أحدِ أن يَختص بما يُريد غيرُه أن يَختصَ به، فيُؤدي ذلك لتلك المفاسدِ المتقدّمة، فحسَمَها الشرعُ بتفويض ذلك لولاة الأمور.
وهذه الأمورُ وإِن لم تكن مما يَدخل فيه حكمُ الحاكم غيرَ أنه من جنس ما يَفتقر لولاةِ الأمور، فذكرتُه تنبيهاً على سببِ الإفتقار وللمناسبةِ بينه وبين هذا الباب.
المثالُ الثالث: جِبايةُ الجِزية، وأخذُ الخراجِ من أرض العَنْوة وغيرِها هو مالُ المسلمين، ولو جُعِلَ لعامَّة الناسَ التَّحَدُّثُ فيه (?)، لفسَدَ الحالُ