ولم يكن مُنشِئاً لحُكمٍ مِنْ قِبَلِه ولا مُرتَّباً له برأيه على حسب ما اقتضته المصلحة، بل لم يَفعل إِلَّا مجرَّدَ التبليغ عن ربَّه كالصلواتِ والزكواتِ وأنواعِ العبادات وتحصيلِ الأملاك بالعقودِ من البِياعاتِ والهِباتِ وغيرِ ذلك من أنواع التصرُّفات: لكلّ أحَدٍ أن يُباشره ويُحصل سبَبَهُ، ويَترتَبُ له حُكمُه من غير احتياجٍ إِلى حاكم يُنشئُ حكماً، أو إِمامٍ يُجدّدُ إِذناً.
فإِذا تقررَ الفرقُ بين آثار تصرفه - صلى الله عليه وسلم - بالإِمامةِ والقضاءِ والفُتيا: فاعلم أنَّ تصرُّفَه - عليه الصلاة والسلام - ينقسمُ إِلى أربعة أقسام:
قسمٌ اتفق العلماء على أنه تصرُّفٌ بالِإمامة، كالإِقطاع، وإِقامةِ الحدود، وإِرسالِ الجيوش، ونحوِها.
وقسمٌ اتفق العلماء على أنه تصرف بالقضاء، كإِلزام أداء الديون، وتسليمِ السِّلَع، ونقدِ الأثمان، وفسخِ الأنكحة، ونحوِ ذلك.
وقسمٌ اتفق العلماء على أنه تصرفٌ بالفتيا، كإِبلاع الصلواتِ، وإِقامتِها، وإقامةِ المناسك، ونحوِها.
وقسمٌ وقع منه - صلى الله عليه وسلم - مُتردِّداً بين هذه الأقسام، اختَلَف العلماءُ فيه على أيها يُحمَلُ؟ وفيه مسائل:
قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحيا أرضاً مَيِّتةً فهي له" (?)